لم يكن تبني «صقور حرية كردستان» تفجير اسطنبول في السابع من حزيران، وإعلانه مسؤوليتها عنه حدثاً عابراً، بل هو جاء في سياق طبيعي للمواجهة القائمة مع الدولة التركية، وقد تبني «صقور كردستان» في بيان تهديد لنظام أردوغان يؤكد بدء حرب جديدة مع الجيش التركي.

وتعرف هذه المنظمة اختصاراً باسم ،»TAK» وتأسست بعد اعتقال عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني «pkk»، وتدّعي أنها غير مرتبطة بهذا الحزب، لكنها تتخذ من فلسفة أوجلان وأفكاره أيدولوجية لمسيرتها، ومارست عملها فعلياً منذ 29 تموز 2004.

في هذا السياق جاء إعلان أنقرة أمس، حظر التجوال في 25 بلدة شرق البلاد، لبدء عملية عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، ما يؤكد أن تركيا لن تشهد الاستقرار بعد الآن.

المؤسسة العسكرية التركية، توقفت أمام بيان هذه المنظمة التي نفذت أكثر من 6 انفجارات، منذ بداية 2016 ولغاية الآن، وهي عاجزة أمنياً أمام منع عملياتها الانتحارية، لأنها منظمة سرية لا يُعرف أعضاؤها حتى، ولأنها لا تحتاج وقتاً طويلاً لإعداد الانتحاريين بسبب إمكانياتها القوية. وما يزيد من دور هذه المنظمة هو ممارسات النظام التركي التي بدأت بمنع زيارة أوجلان في سجنه، كما باستمرار التضييق على أعضاء البرلمان التركي من حزب الشعوب الديمقراطي. ولا يوجد تفسير للتحركات التركية الأخيرة سوى أنها قررت الدخول في المجهول، فكيف يمكن لها أن تخلط الأوراق بهذا الشكل وعلى ماذا تراهن؟

الأمر الأول، الرهان التركي هو على براغماتية أكراد العراق ومواقف مسعود البرزاني التي تتسم في قضية حزب العمال الكردستاني بالغموض: فتارة يطالب حزب العمال الكردستاني بضبط النفس وتارة أخرى يطالب أعضاءه بمغادرة شمالي العراق. ولعلنا هنا نعيد ما كان أوجلان يقوله، ومن زنزانته التي تطفو فوق بحر مرمرة، يقول «إن البرزاني ليس أكثر من دمية بين يدي أردوغان».

الأمر الثاني، إن الرهان التركي هو على محاصرة الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري ومساواته بـ «داعش» لوصمه بصفة الإرهاب.

ولكن كم هو الفارق كبير بين مَن يقارعون البرابرة بالوجه الذي فيه نضارة الجبال، لا بالبرقع ولا بالجلباب اللذين هما الشعار الأيديولوجي والاستراتيجي لثقافة الهاوية!

الأمر الثالث، تراهن أنقرة بأن هذه العمليات الحربية المقبلة ستنجح في تحجيم أكراد الداخل التركي سياسيًا من جهة، وتعزيز التوجه الطوراني العنصري لدى الأتراك ضد حزب المال الكردستاني من جهة أخرى، وإظهار حزب العدالة والتنمية بأنه المدافع الوحيد عن الدولة التركية.

ولكن يدرك أردوغان ونظامه أنه لا يمكن التنبؤ بخواتيم الأمور بشأن مسار القضية الكردية في تركيا، بسبب تعقيداتها المتراكمة على مدى قرن من الزمن، حيث قمعت جميع الانتفاضات الكردية منذ بداية عمر الجمهورية بشدة وقسوة وارتكبت المجازر بحق الكرد، وتُعدّ مجزرة درسيم أشهرها، تلك المجزرة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الضحايا على يد الجيش التركي.

للملاّ مصطفى البرزاني قول من منفاه في موسكو «الأكراد مثل الجبال، إن كانوا غير ذلك تذروهم الرياح». ولكن الآن أي رياح تلعب، أو تلاعب، الأكراد؟