مرّت السنة الأولى على توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول (5+1)، والذي عدّه الجميع اتفاقاً تاريخياً، والذي سعت إليه إيران لرفع العقوبات الاقتصادية عنها، ولإسقاط ادعاءات الغرب، وعلى رأسه أميركا، أنها تعمل على صنع القنبلة الذرية، وحصر المفاوضات بأمرين لا ثالث لهما؛ تخفيض نسبة التخصيب من 20% إلى 3.5%، وإيقاف معمل "ناتنز" للماء الثقيل، لطمأنة الغرب بأنه لا يوجد عند إيران قرار بتصنيع أسلحة نووية، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وأميركا تعلم علم اليقين أن إيران لا تريد تصنيعها، إنما استخدمت هذه الذريعة للضغط عليها من أجل ترويضها ومنعها من سياساتها القائمة على نصرة فلسطين وإزالة "إسرائيل"، ودعمها لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين.

لكن، هل التزمت الدول الكبرى بتنفيذ هذا الاتفاق بعد تقرير وكالة الطاقة في بداية هذا العام، والذي أكد التزام إيران بما هو مطلوب منها؟ وهل التزمت أميركا والاتحاد الأوروبي معها برفع العقوبات الاقتصادية عنها (الافراج عن الأرصدة والأموال الإيرانية المجمَّدة، والتي قدّرها بعضهم بـ54 مليار دولار، ورفع الخطر عن الطيران الإيراني، وعن البنك المركزي والشركات الخاصة والعديد من المؤسسات، والتعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا..)؟

الإجابة أتت على لسان وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، الذي قال: "رغم الاتفاق النووي، لا تتعامل بعض الدول الغربية، خصوصاً أميركا، لتنفيذ تعهداتها أمام إيران تعاملاً جدياً، حيث ظلت الآثار الذهنية للعقوبات المالية الأوروبية حيال الجمهورية الإسلامية قائمة"، مضيفا أن "الغرامات الأميركية الباهظة ضد البنوك الأوروبية التي قد تعاملت في الماضي مع إيران دفع البنوك والأجهزة الاقتصادية الأوروبية إلى الخوف من أميركا لإبداء أي تعاون مع إيران".

إذاً، من الواضح أن أميركا والغرب لم يلتزموا بتطبيق كامل بنود الاتفاق، وإن تم رفع الحظر في المجال النفطي، وشطب مجموعة من الشركات والأسماء عن اللائحة السوداء، لكن رفع هذا الحظر كان محدوداً، وله علاقة بتقدير أميركا لمصلحتها في تضييق الحظر أو توسعته، وهي تعمل على ملاحقة الدول الأوروبية من أجل عدم الانفتاح الاقتصادي على إيران، فها هو مساعد وزارة الخارجية الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب؛ آدم زوبين، يذهب إلى باريس وبرلين لمناقشتهما بشأن العقوبات الدولية على إيران، ولتعطيل صفقة "الإير باص" (118 طائرة) التي تمت باتفاق مبدئي بين إيران وفرنسا، وكانت أميركا قد أعلنت عن عقوبات جديدة على بعض الشركات الإيرانية والأشخاص، بسبب الاختبار الذي أجرته إيران مؤخراً للصواريخ البالستية، بحجة أنه قادر على حمل أسلحة نووية، ومطالبتها من بعض الشركات العالمية، كشركة "هوداي" الصينية، إبلاغها عن نشاطها الاقتصادي مع إيران.

قد تكون لدى الدول الأوروبية مصلحة في التعاون الاقتصادي مع إيران، والاستثمار النفطي فيها، والذي يقدَّر بمئات المليارات من الدولارات، لكن الاتحاد الأوروبي يواجه مأزقاً في التعامل المصرفي مع إيران، لأن أميركا رفضت طلب وزراء الاقتصاد الأوروبيين تقديم ضمان بعدم معاقبة المصارف التي تتعامل مع إيران، ولأنها لم ترفع الحظر عن إيران في موضوع التعامل المالي، وهذا ما يعيق عودة إيران إلى الأسواق العالمية.

لكن هل ستبقى أميركا على إصرارها على عدم رفع الحظر في المجالات كافة، وتحديداً في التعامل المصرفي؟ وهل تغيّرت الاسباب التي دفعتها لفرض هذه العقوبات؟ وهل ستتخلى إيران عن سياستها القائمة على رفض الظلم ودعم القضية الفلسطينية وإزالة "إسرائيل"، والتي دفعت أثماناً باهظه للاستمرار فيها، وماتزال؟

إن مراهنة أميركا على إخضاع ايران من خلال العقوبات ما قبل الاتفاق النووي لم تنجح، وحتى التلويح بالتراجع عنه كذلك، فقد حسم الإمام الخامنئي الأمر و"هدد بحرق وثيقة الاتفاق النووي في حال تراجع عنه المرشحون للرئاسة الأميركية".