من أبرز نتائج تقرير شيلكوت الذي صدر قبل ايام، أن القرار بغزو العراق لم يكن صائباً. وأن المملكة المتحدة اختارت الغزو قبل استنفاد فرص الخيارات السلمية. وأن قرار التدخل بُني على «معلومات وتقييمات استخبارية واهنة».

لا مفاضلة ولا مقارنة، لأن الهدف هو تمرير الجريمة وغسل اليد والضمير، فهل نحن في مسرح اللامعقول، حيث جرت محاكمة رئيس وزراء بريطانيا السابق، طوني بلير؟ وهل المطلوب محاكمة بريطانية أم يجب أن تكون هناك محاكمة دولية؟ ولماذا أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن قرار غزو العراق خارج اختصاصها؟

في مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد الإعلان عن تقرير «شيلكوت»، قال بلير إنه اتخذ قراره، لأنه يعتقد أنه كان على حق! وقال اعتذرت عن أخطاء الحرب وليس عن قرارها! وكان اللافت أنه استتبع كلامه بإشارة خطيرة من أن القرار بعدم قصف سورية في عام 2013 كان خطأً جوهرياً!

السؤال الآن: أليست الدول التي تقول إنها تعلمنا الديمقراطية هي نفسها من يغذي الارهاب ويصنعه ويدعمه السلاح؟ وهل اعتذار بلير يكفي؟

يُحسّسك بلير، هذا الذي نشأ وأشرف عليه رئيس وزراء كيان العدو السابق المقتول إسحق رابين من اعتذاره وكأن فريقاً لكرة القدم خسر مباراة وليس دمار بلد بالكامل وحرب داخلية طاحنة. ولكن هذا التقرير لشيلكوت الخطير لم يكن يكشف سمسار الدم المجرم بلير فقط، بل الأهم أنه يفضح أيضاً نظماً عربية وخليجية ما زالت تستخدمه مستشاراً وسمساراً.. ورئيساً للرباعية الدولية بماذا؟ في الموضوع الفلسطيني، ويا للسخرية!

لطالما كان العدوان على العراق خيار المحافظين الجدد، وهم واجهة اللوبي الصهيوني. كان حلمهم هو إعادة تشكيل المنطقة على مقاس «إسرائيل»، بعد انكشاف لعبة «أوسلو» وتوابعها.

كان واضحاً ان بلير يسير مع بوش الأبن على طريقة تاتشر مع بوش الأب وريغان، أنه معه في كل شيء.. هذا التقرير كشف الحقائق امام المجتمع الغربي، ولكنه لن يُحصّل حقوق شعبنا في العراق الذي يتم تمزيقه وتفتيته ضمن خطة «الفوضى الخلاقة».. بلير في هذا الخيار كان يتمتع بحماية الكيان الصهيوني ولوبياته الفاعلة في العالم، ولذلك نراه بالعين المجردة وهو يسرح ويمرح ويسمسر دون خوف ولا وجل.. هو تاجر شنطة رهيب!

تقرير «شيلكوت» يقودنا إلى أهمية أن نناقش ما يحدث في سورية اليوم من مؤامرة صنعها الغرب وعضدها بداعش من أجل تقسيم سورية والاستمرار في إنشاء دويلات عنصرية مهلهلة وضعيفة تكون القضية الفلسطينية آخر همها .

بسخرية مُرّة نتذكر ذلك المسؤول العربي الذي يترك زواره لتأدية فريضة الصلاة قبل أن يتلاشى في ليلة الويسكي، الليلة الطويلة. لكأن شهرزاد لا تزال تمشي حافية القدمين على ضفاف دجلة.

هذا يذكرني بما ورد في إحدى مسرحيات جورج شحادة بالفرنسية : «أيّها السيد الشيطان متى تفك أسرنا؟».