اذا اعتبرنا أن القتل ليس عملاً اجرامياً، تحظّره القوانين وتحرّمه الأديان، فيمكن القول إن «داعش» يلتزم مبادئ سامية، منها المساواة، وإن لم يعترف بالإعلان العالمي لحقوق الانسان. في القتل، لا يميز «داعش» بين انسان وآخر على اساس الدين او العرق او اي انتماء، يضرب المسلمين والمسيحيين والملحدين، نساء ورجالاً، كباراً وصغاراً. إنه الإنصاف تجاه الضحية في أي مكان يرتاده بشر.

لداعش قضية يصعب تحديدها في المنطق الطبيعي للانسان، اداتها الإرهاب. وهو في صدام مع الجميع: دولاً وشعوباً، ماضياً وحاضراً، ادياناً وحضارات. يكفرّ، كما يقتل، بلا تمييز. ولا يهادن ما دام الاعتقاد راسخاً في الرابط المباشر مع الخالق. الله واهب الحياة، «وله وحده ان يستردها بالموت»، يقول المطران جورج خضر، فاذا انتزعت الحياة «عن انسان بقتله تجعل نفسك إلها وهذا هو الجحود بعينه». (النهار 2/7/2016).

التنظيمات الارهابية التي عرفتها الحقبة المعاصرة، في اوروبا تحديدا، لم تدّع الايمان، بل حاربت الكنيسة والسلطة على انواعها. حتى «تنظيم القاعدة» بدأ جهاده العسكري في افغانستان في اطار «علماني» بمواجهة السوفيات «الملحدين» وبالتحالف مع الاميركيين «الكفار»، وواصل الجهاد لاحقا في السعودية والسودان وافغانستان والعراق وفي اماكن اخرى متصديا "صليبيين واليهود".

ارض جهاد «داعش» ومثيلاته لا تحدّها حدود، جغرافية أو سياسية، وهي غير مرتبطة بكيان دولة صنعها الانسان، مثلما هي دول العالم اجمع، في سوريا والعراق وتركيا وتونس وبنغلادش وليبيا ومالي واليمن ونيجيريا وفرنسا وبلجيكا ولبنان. انها غزوة العالم باسم الدين، لا دفاعا عن قضية محددة بل لفرض حكم الله على الارض بحسب التفسير الداعشي. المشيئة الالهية مجيّرة لـ «داعش» ليوظفها في القتل. وأحزمة الابادة تحمل مفاتيح لأبواب موصدة لغير التكفيريين. هذا الجنون متاح في زمن الفلتان والتطرف الاعمى، ولا من يردع بحزم ومسؤولية، بل يسود التواطؤ والاستهتار. ها هي تركيا وقيادتها، البيئة الحاضنة لاكثر السلفيين عنفا، تُضرب في عقر دارها ويُستهدف الممرّ الآمن للآتين من العالم اجمع الى ارض المعركة.

دولة الخلافة الداعشية في العراق وسوريا وفكرها وسلوكها في أي مكان، غير معنية بالقضايا التي تخص اطراف النزاع، بمعزل عن مضمونه واهدافه. وهي ايضا في صدام لا يقلّ عنفا مع رفاق الدرب، جيوش النصرة والقاعدة وسائر التكفيريين، جماعات وافرادا. فالمساواة في القاموس الداعشي قائمة بين النظام السوري ومعارضيه وبين مكونات الشعب العراقي، عربا وكردا، سنة وشيعة، وصولا الى المصلّين في مساجد الكويت والسعودية وباكستان والى رواد المقاهي في باريس ودكا، وبين ابناء عرسال والقاع والضاحية وسائر اللبنانيين في الوطن والمهجر. عولمة ومساواة وماكينة قتل لا تهدأ.

ارهاب داعش جمع القوى الدولية المتناحرة. هكذا التقت روسيا واميركا في سوريا والعراق، ولاحقا فرنسا بعدما اعتبرت انها خارج دائرة الاستهداف. ففي حين ان واشنطن وموسكو في مواجهة في اوكرانيا وأوروبا، الا انهما في تناغم بوجه العدو المشترك في المشرق العربي.

في العام الرابع للارهاب الداعشي، لم يعد للتنظير والاجندات السياسية والازدواجية في سياسات الدول جدوى. وللوقت ثمن باهظ للتصدي لآلة القتل المتواصل. قد يكون اعتداء اسطنبول مفصليا، اذ يأتي في زمن اعادة وصل ما انقطع بين تركيا وروسيا وايضا اسرائيل لاسباب اخرى. السياسة الخارجية التركية في تحول غير واضح المعالم. وقد تأخذ منحى مغايرا للمألوف بعدما اصبحت عاصمة السلطنة ورمز طموح «السلطان» الجديد في دائرة الاستهداف المباشر. فهل تنضم تركيا بعد اعتداءات اسطنبول الى حملة التصدي لـ «داعش»؟

السباق الآن لضرب «داعش» بعدما كان في السنوات الاخيرة لتوظيفه أو لايجاد التبريرات لافعاله، بعدما وصل الى حد دفع الابناء لقتل افراد عائلاتهم. مرحلة جديدة انطلقت، لاسيما وان «داعش» لن يترك المناطق التي حكمها بسلام، أي بلا انتقام. وعلى دول الجوار، ومنها لبنان، التنبّه لأي طارئ لأن المخاطر الامنية لا تحتمل التراخي أو التوظيف السياسي المعهود.