تخرق زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت الجفاف السياسي اللبناني الناجم عن حالة الجمود والمراوحة التي تشهدها الساحة الداخلية، رغم محاولات الرئيس نبيه بري المتكررة على طاولة الحوار او خارجها للخروج من الازمة المستعصية التي يتخبط بها لبنان.

ووفاً للمعلومات التي سبقت الزيارة والرسالة التي بعثها ايرولت الى مراجع لبنانية بارزة، فانه لا يحمل مبادرة محددة للحل او لانهاء ازمة الشغور الرئاسي، لكنه يبدي اهتماما بمناقشة المسؤولين والقيادات اللبنانية في سبل التغلب على العقبات التي تحول دون انتخاب رئيس الجمهورية.

وحسب الرسالة التي تلقاها بري بخصوص الزيارة فان فرنسا مهتمة باجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان الذي ترعاه، وما يمكن تديمه من مساعدات تساهم في التخفيف من الاعباء الذي يواجهها لا سيما على صعيد ازمة النازحين السوريين المتفاقمة.

واذا كانت باريس قد اخفقت في محاولاتها السابقة من احداث خرق جدي في جدار ازمة الرئاسة اللبنانية، فان مواصلة مساعيها بهذا الاتجاه تشكل احد عناوين زيارة وزير خارجيتها لبيروت اليوم.

وتكشف مراجع لبنانية رفيعة عن ان المعلومات التي سبت وصول ايرولت الى بيروت تشير الى ان دوائر الاليزيه تعمل على بلورة «سلة للحل» في لبنان تكون في مقدمها مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ولا شك ان التوجه الفرنسي، ان صحّت المعلومات، يتلاقى مع مبادرة بري التي طرحها مؤخرا على طاولة الحوار انطلاقا من بنود جدول الاعمال الذي انطلقت منه اعمال هذه الطاولة.

واذا كان رئيس الدبلوماسية الفرنسية حرص على القول قبل مجيئه الى بيروت بان بلاده على تواصل مستمر مع طهران والرياض، فان مؤتمر المعارضة الايرانية الذي استضافته باريس في اليومين الماضيين يزيد من «تكهرب» علاقاتها مع ايران ويصعّب من لعب دور الوسيط المتوازن بينها وبين السعودية.

وبرأي مصادر سياسية مطلعة فان العمل الفرنسي على مسار حل ازمة رئاسة الجمهورية في لبنان يفترض الاخذ بعين الاعتبار موقف البلدين، وبالتالي، الابتعاد عن توتير العلاقة مع طهران قدر الامكان لاحراز تقدم حقيقي في السعي الى تفاهم ايراني - سعودي حول الرئاسة في لبنان.

وتشير هذه المصادر الى ان المعطيات المتوافرة حتى الآن لا تؤشر الى ان التواصل الفرنسي مع الايرانيين والسعوديين قد حقق نتائج ملموسة على صعيد تذليل العقبات التي تحول دون انتخاب رئيس لبناني جديد، وان جلّ ما حصلت عليه هو تكرار المسؤولين في البلدين المقولة التقليدية المعلنة بان هذا الموضوع هو شأن لبناني بالدرجة الاولى، وانهما مع اي توافق لبناني ينهي الفراغ الرئاسي.

وعشية زيارة ايرولت الى عين التينة (اليوم) تقول مصادر مقربة من الرئىس بري انه سيستمع منه الى ما يحمله حول التواصل الفرنسي مع ايران والسعودية في هذا المجال وان ثمة مسائل كثيرة ستكون مدار بحث خلال اللقاء.

ونظرا للدور البارز الذي يلعبه لا سيما على صعيد رعاية الحوار الوطني فإن لقاء عين التينة اليوم سيكون المحطة الابرز في زيارة الوزير الفرنسي اكان على صعيد محاولات الخروج من الازمة اللبنانية الداخلية او على صعيد تداعيات قضية النازحين السوريين والتطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة.

ووفقا للمصادر فإن بري سيتناول مع ايرولت قضية تعزيز الجيش اللبناني سائلا ماذا عن مساعدة ودعم الجيش بالسلاح خصوصا في ظل الدور الذي يقوم به لمواجهة الارهاب وكان اخر حلقات هذه المواجهة ما حصل في بلدة القاع.

ومما لا شك فيه ان باريس من الدول الاساسية المعنية بدعم تسليح الجيش والقوى الامنية اولا نظرا للعلاقات والتعاون المتين بين البلدين على هذا الصعيد وثانيا بعد تراجع السعودية عن الهبة التي كانت مقررة للمؤسسة العسكرية في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

وحسب المصادر فإن المعركة المشتركة ضد الارهاب خصوصا بعد الهجمات التي تعرضت لها فرنسا مؤخرا تشكل حافزا اضافيا لادارة الرئيس هولاند في تقديم المساعدة والدعم للجيش اللبناني باعتبار ان ذلك يعتبر في صلب ادارة هذه المعركة المشتركة.

ما هو موقف الادارة الاميركية من حراك الديبلوماسية الفرنسية باتجاه لبنان؟

يقول مصدر ديبلوماسي مراقب ان واشنطن لم تقدم منذ بدء ازمة الرئاسة اللبنانية اية مبادرة او مقترحات تساهم في حلّها بل انها ابتعدت عن هذا الملف مكتفية بمتابعة ومراقبة المستجدات حوله اكان على مستوى الجهود اللبنانية الداخلية او على التدخلات الخارجية في هذا الشأن.

وفي هذا السياق يحظى التحرك الفرنسي بهذه الوتيرة من الاهتمام الاميركي، بمعنى ان واشنطن تكتفي بمتابعة عن بعد ولا تقدم له حتى المشورة التي تساهم في دفعه الى الامام.

وبرأي المصدر ان الادارة الاميركية منصرفة عن الاهتمام بملف الرئاسة اللبنانية حتى اشعار اخر وهي منشغلة بإدارة الصراع في المنطقة المشتعلة.