رفع وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرولت في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل شعار "لا غالب ولا مغلوب"، من اجل التوصل الى حل للأزمات السياسية في لبنان وأهمها الاستحقاق الرئاسي. وسبق لرئيس الحكومة الراحل ​صائب سلام​، والد رئيس الحكومة الحالية ​تمام سلام​، ان أطلق هذا الشعار اثر انتهاء احداث العام 1958.

في هذا السياق، اعتبرت مصادر نيابية وسياسية مخضرمة ان لكل ظرف من الظروف شعاراته القابلة للتحقيق، واُخرى صعب ان لم يكن من المستحيل تحقيقها.

ورأت ان الظروف الداخلية والخارجية التي رافقت شعار رئيس الحكومة الراحل صائب سلام سمحت الى حد ما بتسويات اعادت الاستقرار الى البلاد. ففي الشق الداخلي كان هناك خلاف حاد بين اليمين المتطرف المدعوم من الغرب، وأغلبيته الساحقة من القوى المسيحيّة، واليسار العروبي وغالبيته من القوى الاسلامية المؤيدة للتيار العربي الناصري، مقابل حلف بغداد بقيادة عدد من العواصم الغربية والعربية.

ولفتت هذه المصادر الى ان ما سمي "بثورة 1958" التي تزعمتها القوى الوطنية، لم تشهد مجازر دموية بين المتخاصمين، كما ان التسليح كان بدائيا ومتواضعا، ولم يكن الانقسام الطائفي حادا، بدليل انه فور حصول توافق غربي-عربي على حل الأزمة في حينه، جرى انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية، بدعم من واشنطن وموافقة من الرئيس المصري جمال عبدالناصر، نتج عنه حكومة تمثل فيها أطراف النزاع من مسيحيين ومسلمين، ويمينيين ويساريين عروبيين، وانطلقت عجلة بناء الدولة، حيث شهد لبنان قيام مؤسسات عززت قوة لبنان، مثل البنك المركزي، والتفتيش المركزي، وتم تنظيم القضاء واستحداث وزارات ما زالت تعتبر حتى يومنا هذا اهم أسس الدولة الحديثة، ونجح اللبنانيون الى حد ما في التأقلم مع شعار "لا غالب ولا مغلوب".

تضيف المصادر نفسها: اما اليوم فتطبيق هذا الشعار، يحتاج الى ظروف غير متوفرة، مشيرة الى ان صعوبة نجاحه تكمن في المعطيات التالية:

اولا-ان لبنان اليوم يواجه صراعا داخل الطائفة الواحدة، اي بين السنة والشيعة، والسلاح الموجود لدى حزب الله جعله قوة إقليمية امتد نفوذها خارج لبنان، مما تسبب بانقسام عامودي صعب على مثل هذا الشعار ضبطه او القضاء عليه. وجعل هذا الامر نفوذ الدول الأجنبية والإقليمية متجذرا في الداخل اللبناني، وأصبح تفاهم اللبنانيين بحاجة الى اكثر من "شعار".

ثانيا-لم تكن خريطة المنطقة في العام 1958 كما هي الآن خاصة في العواصم العربيّة التي كان لها دور كبير في تنظيم الحياة السياسية في لبنان، وان هذه الدول بحاجة الى من يساعدها، مما جعل العالم يركز جهده خارج حدود لبنان، متجاهلا اي شعار لإنقاذ التركيبة اللبنانية، كما كان يحصل في السابق.

ثالثا-ان سياسة العهود الاولى ما بعد الاستقلال كانت قائمة على ان قوة لبنان بضعفه، وبالتالي نأى بنفسه عن قضية العرب الأولى فلسطين، اما اليوم فان الظروف تبدلت، وأصبح للبنان قوة حاربت اسرائيل وأخرجتها منه في مثل هذا الشهر من العام 2006، وبالتالي فإنّ المعالجات الخارجيّة، لا بد وان تمرّ من خلال هذه القوّة، وليس عبر شعارات واكبت المرحلة الماضية، ولم تعد تصلح في زمننا هذا.

رابعا-تلاشت "المارونيّة السياسية" التي كانت تحكم لبنان، وتورط فريق منها في حرب دموية لم تخلُ من المجازر، وأدّت هذه الحرب الى انهيار هذه المرحلة، وحلّت مكانها مرحلة اصبح القرار فيها عند طوائف اخرى، مما أدى الى انعدام التوازن الذي كان سببا من أسباب نجاح تطبيق شعارات المصالحة .

ولفتت المصادر الى ان مقولة الراحل غسان التويني بأن الحرب التي عصفت بلبنان كانت "حروب الآخرين على ارضه"، صحيحة اليوم اكثر من اي وقت مضى، وان الصراع بين ايران والمملكة العربية السعودية خير دليل على ذلك، وهو الذي يهدد بإمكانية قيام نزاع مسلّح في سياق تصفية الحسابات بين هاتين الدولتين بأدوات لبنانية.

وخلصت المصادر الى الاعتقاد انه اذا لم يحصل تفاهم سعودي-إيراني، فإن مخاطر انفجار هذا الصراع، وان يتحول صراعا دمويا بين اللبنانيين، لا يزال قائما، ولن ينفع معه حينها اي شعار من الشعارات التي كانت قائمة، وفي طليعتها شعار "لا غالب ولا مغلوب" والذي فعل فعله في الزمن الغابر.