يعيش تيار المستقبل هذه الأيام تحديين، الأول داخلي من خلال الورشة التنظيمية التي ستتوّج في الخريف المقبل، والثاني خارجي، من خلال إعادة وصل ما انقطع مع القيادة السعودية، التي تبدو العلاقة معها في "خريف" ايضاً.

منذ مطلع التسعينات، لم تعرف الحالة الحريرية سوى الربيع مع المملكة، فكانت زهور الرضى الملكي تتفتح في المباركة لخيارات رفيق الحريري على الساحة اللبنانية، ومشاريعه الاقتصادية في السعودية وبلدان المنطقة، حيث الهم المشترك. فبنى الحريري الاب بشطارته وعلاقاته "مملكته الخاصة" السياسية والمالية في لبنان منذ العام 1992 وحتى استشهاده.

اما اليوم، فلا جديد في القول إن العلاقة بين القيادة السعودية وقيادة تيار المستقبل في لبنان ليست في افضل احوالها، منذ اشهر، وأن التبني السعودي الكامل والشامل لخيار المستقبل كممثل اوحد للطائفة السنية في لبنان، بات يخضع لما يشبه إعادة نظر وتقويم، بناء على تجربة الأعوام الماضية، منذ خلافة ​سعد الحريري​ لأبيه، وتسلّمه "الزعامة"، ودخوله نادي رؤساء الحكومات وخروجه منه، وغربته الطوعية، وعودته الى لبنان، التي أمل في أن تعيد انعاشه سياسياً ومالياً، ليتفاجأ بعراقيل عدة، كان أكثرها وضوحاً، الإجراءات السعودية والخليجية في حق لبنان.

بهذا، ترافقت عودة الحريري مع صدمة "العقوبات"، لتليها ازمة "سعودي اوجيه" وموظفيها. يقول المتابعون إن الشيخ سعد تلقى بذلك صفعتين، بدل أن يمنح مساعدتين تشكّلان قوة دفع له، لينطلق من جديد على طريق السراي الحكومي. ويتحدّث البعض عن ان الحريري ظنّ أن الكبوة لن تكون اكثر من زوبعة في فنجان، من هنا وعوده لموظفي مؤسسات المستقبل السياسية والاجتماعية والمالية "بالفرج القريب"، لتمر الأيام وتستمر الأزمة، وتتفاقم،ويخرج كلام الصالونات الى مواقع التواصل الاجتماعي والالسنة، وليلمس الحريري وجود "شركاء مضاربين" يريدون الأكل من الصحن نفسه، ليس أشرف ريفي آخرهم.

مطلع هذا الشهر، ومع حلول عيد الفطر، كان رئيس الحكومة تمام سلام في زيارة لها دلالاتها للمملكة العربية السعودية، حيث صلى العيد مع العاهل السعودي وتناول الفطور الى مائدته. في صورة رأى المتابعون انها تتعدى اطار الشكليات، لتحمل إشارات عن استمرار "المظلّة" السعودية لتمام بك، وان طريق العلاقة مع "السنة في لبنان" تمر من خلال المصيطبة لا بيت الوسط.

المستقبل: شائعات لا أكثر

وفي الأيام الماضية، تناقل الوسط السياسي معلومات عن زيارة بهاء الحريري للسعودية، ولقائه المسؤولين في المملكة، للبحث في "الإرث المالي والسياسي" لآل الحريري. ويقول هؤلاء إن الابن البكر لرفيق الحريري سمع كلاماً مفاده "أن المملكة مستعدة لاعادة تعويم تيار المستقبل سياسياً ومالياً، اذا ما حسم بهاء أمره ليكون على رأس التيار في الأشهر المقبلة بدلاً من أخيه سعد".

وفيما لم يشأ المعنيون التعليق، وبينما رأت أوساط المستقبل في ما وصفتها بالتسريبات "شائعات من نسج الخيال"، فإن من تناقل هذه المعطيات يؤكد صحّتها، ويترك للايام المقبلة مهمة الفصل ما بين الخيطين الأبيض والأسود.

في المقابل، تضع أوساط المستقبل هذه الأخبار ضمن اطار "الماكينة السلبية" التي تستهدف قيادة المستقبل، ولا يستبعد البعض ضلوع اللواء اشرف ريفي فيها. علماً انها ليست المرة الأولى التي يتم التداول بها بإمكان دخول بهاء النادي السياسي بعد تفرّغه على مدى سنوات للمجال المالي والاقتصادي، وفصله المشاريع التي يقوم بها عن تلك التي تتعلّق بالعائلة.

ويستند بعض المتحدّثين عن تسليم الأمانة لبهاء، عن أن السعودية في طور "العودة عن الخطأ" الذي وقعت فيه في العام 2005، بتشجيع من الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك، بترجيح خيار سعد على بهاء، على الرغم من خروج بعض جمهور رفيق الحريري في شوارع بيروت هاتفاً باسم بهاء خليفة لوالده، قبل ان يعلن آل الحريري لاحقاً اختيار سعد ليكمل مسيرة والده الشهيد.

واذا كانت السنوات الماضية "كذّبت" كل الاخبار عن تشمير بهاء عن سواعده السياسية، الاّ أن المتداولين "بالمعطى المستجد" يشيرون الى أن المختلف هذه المرة، هو المأزق الحريري، السياسي والمالي، والذي يحتّم البحث عن البدائل، حتى لا يبقى ما يمثله تيار المستقبل، من الماضي، في ضوء الكباش اللبناني الذي يتطلّب من يقف على رجليه في المرحلة المقبلة.

اذا، هي مرة جديدة تطرح فيها المعادلة الآتية: بهاء يخلف سعد. فهل ستنتقل من الأفكار الى التطبيق العملي، ام تثبت الأيام انها ليست الاّ خبريات؟

في تيار المستقبل من يرجّح الخيار الثاني، لا سيما ان التحضيرات متواصلة للمؤتمر العام للتيار في 15 و16 تشرين الأول المقبل، على أن تسبقه انتخابات داخلية جدّية تترك فيها الخيارات للعبة الداخلية، بخلاف ما حصل في المرة الأخيرة، حيث كانت اللوائح جاهزة، والخيار محدد مسبقاً.

وتقول أوساط المستقبل إنه يرتقب أن يشارك في المؤتمر نحو 1200 شخص سيقدمون الاقتراحات من أجل إعادة هيكلة التيار والأطر الحزبية فيه، إضافة الى انتخاب رئيس وأعضاء المكتب السياسي الذين بدورهم سينتخبون الأمين العام للتيار. في كل هذا المسار، يؤكد القريبون من سعد الحريري انه سيحتفظ بالأمانة في الخريف المقبل، ليعيد الى المستقبل ربيعه.