تمدّد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الأكثر إنتشاراً دعائياً بفضل العمليات الإرهابية التي أخذ يتفنّن في إبتكارها، رعباً رغم تقلص المساحة الجغرافية التي أعلن فيها دولته المزعومة والتي بدأت تتقلص من دون أن تتلاشى رغم كلّ الضربات النوعية التي تلقاها التنظيم خصوصاً في العراق وسوريا.يسجّل المراقبون من أمنيين لحركة التنظيم محطتين اساسيتين على أجندة إنجازات «داعش» في النصف الأول من تموز:

- إخراج الهيكلية التنظيمية للمرة الاولى الى العلن في إصدارٍ مرئي عبر مؤسسة الفرقان (الناطق الإعلامي شبه الرسمي)، راسماً خطوط عمله التنظيمية من «الخليفة» المزعوم الى: مجلس الشورى، واللجنة المفوَّضة التي تشرف على الولايات وعددها ولاية والدواوين وعددها ، والمكاتب والهيئات وعددها ، فضلاً عن النوافذ الإعلامية الرسمية لـ«داعش» وعددها .

وتتقاطع معطيات تقارير عدد من المراقبين وصلت الى مراجع أمنية عند نقطة بارزة في الهيكلية المعلن عنها رسمياً وتتمثل في تقليص صلاحيات ودور الخليفة، على حساب إظهار الدور الأساس في صناعة القرار لما يُسمى اللجنة المفوّضة والتي كانت تُعرف سابقاً بالهيئة الشرعية المناط بها عملياً إدارة التنظيم عسكرياً وأمنياً ومالياً وإدارياً.

وهذا ما طرح سؤالاً عن المغزى من تعظيم دور اللجنة على حساب الخليفة؟

وفي الاجابة تأتي قراءتان: الأولى، ذهبت الى ربط الأمر بالحالة الصحية للبغدادي زعيم التنظيم وخليفته المبايع والذي تلقت غرف العمليات العسكرية المعنية بمكافحة الإرهاب تقارير تتحدث عن إصابة بليغة تعرّض لها حدّت من حركته، فيما ذهبت قراءة ثانية لتقليص صلاحيات الخليفة الإفتراضي الى تنامي اطراف الدولة المزعومة والتي ظهرت في الولايات الـ35 المعلن عنها وصعوبة وصول «الخليفة» اليها، من دون إغفال عامل ظهور نفوذ قوى وشخصيات مؤثرة داخل التنظيم بدأت تبحث عن مساحتها الخاصة وحصصها في صناعة القرار وفي المغانم المادية والمعنوية، وهذا ما عبّر عنه باللجنة المفوّضة وفيها يتجمّع نفوذ القوى والجنسيات المتعددة في إنعكاسٍ لبيئات المقاتلين التي جاؤوا منها الى أرض الخلافة المزعومة.

أما المحطة الاساسية الثانية التي سجّلها «داعش» في النصف الأول من تموز للعام 2016 وفق التقارير التي وصلت الى كثر من جهاز معني بمكافحة وقتال التنظيم:

- البدء بالتداول بعملة الدولة المزعومة وهي «الدينار الإسلامي» من فئات ( دنانير و دينار) وهي الفئة الذهبية، ( دراهم و دراهم و درهم) وهي الفئة الفضية، و( فلس و فلوس) وهي الفئة النحاسية، وليعادل دينار «داعش» دولاراً أميركياً وفق آلية التسعير التي وضعها التنظيم ربطاً بأسعار النفط التي بدأ يجاهر علانية بعمليات التجارة فيه من دون أن يحدّد الاطراف المقابلة في عمليات البيع المصدر الأساس للتمويل وللحركة المالية للتنظيم الإرهابي.

وفي التقويم بحسب المراقبين، فإنّ تزامن الإعلان عن الهيكلية التنظيمية وما رافقه من التداول بعملة «داعش» وتوزيعها على بنوك الرقة ودير الزُّور والموصل (كما جاء في اعلان «داعش») هدفه التعويض المعنوي لمقاتلي التنظيم وللمؤيّدين بعد خسائره المادية وخصوصاً الجغرافية التي مُني بها بفعل الضربات القاسية التي تلقاها سواءٌ في غرب الأنبار أو الفلوجة وصولاً الى ريفي حلب الشمالي والشرقي، إضافة الى رغبة «داعش» في إظهار نفسه اكثر تماسكاً وقدرة على الصمود في مواجهة الحرب عليه.

لكن وأبعد من كلا المحطتين في منتصف تموز، والقراءة فيهما سواءٌ بالإعلان عن الهيكلية أو عملة الدولة، فيجب عدم إغفال طريق آخر وجد فيه التنظيم ضالته للتعويض عن خسارته، وهي العمليات الأشد قسوة ورعباً سواءٌ من الكرادة في العراق والتي ذهب ضحيتها مئات الشهداء، أو في تفجيرات القاع عبر ثمانية انتحاريين والتي وبفضل العناية الإلهية وجهد الجيش اللبناني ومديرية مخابراته والتعاون مع بقية الأجهزة الأمنية اللبنانية فضلاً عن شجاعة الأهالي ووعيهم، لكان الحال غير ذلك.

فالسيناريو الذي كان مقرّراً تنفيذه كان اكثر قسوة وجنوناً ممّا حصل في الكرادة أو وقع في باريس عبر عملية الدهس التي ذهب ضحيّتها عشرات المواطنين الابرياء والتي تناقلت أحداثها وصورها الآلاف من محطات التلفزة ووسائل الإعلام وهذا ما يبحث عنه التنظيم من دعاية تعتمد على بثّ الخوف والتمدّد رعباً تعويضاً عن التقهقهر جغرافياً.

ويبقى السؤال عن سرّ عدم ذكر الجهاز الخارجي للتنظيم في الهيكلية المنشورة وهل أراد التنظيم من ذلك إخفاء أبرز آليات عمله الأمني؟ أو أنّ في الأمر قطبة مخفيّة لإلهاء العالم وخصوصاً الغرب وتحديداً أوروبا قبلة العمليات الإرهابية أخيراً في البحث عن إبرة في كومة قش الإرهابيين ولهذا غاب تحديد الجهاز الخارجي في الهيكلية؟

اسئلة يقابلها جوابٌ من نوع آخر... لما لا يكون جهاز الامن العام المحدَّد في الهيكلية التنظيمية هو المعني ايضاً بالعمليات الخارجية؟ خصوصاً مع ما جاء على لسان عدد كبير من الموقوفين الإرهابيّين سواءٌ لدى الاجهزة الامنية السورية أو اللبنانية عن أوامر وتدريبات لوجستية تلقوها مباشرة في الرقة لتنفيذ عمليات إرهابية في الخارج.

وبعيداً من كلّ تلك الاسئلة التي تحتاج الاجابة عنها الى بعض الوقت والجهد.. يبدو على الجميع إدراك أنّ الحلّ الأساس للتخلص من الإرهاب هو بالذهاب الى دماغه وإستئصال الورم الفكري التكفيري ليبدأ من بعده التجفيف الجدّي للإرهاب، ومن دون ذلك فإنّ الأمر أشبه بإبر المخدر أو بعمليات التجميل والترميم التي قد تقلّص من تمدّد الإرهاب لكنها لن تتمكّن من الحدّ من نشره الرعب والقتل!