من عمليات الدهس الواسعة التي نُفذت في نيس الفرنسية، إلى عملية طعن 21 شخصاً داخل قطار في مدينة فولفسبورغ جنوب ألمانيا، إلى عملية إصابة خمسة أفراد من الشرطة بجروح نتيجة عمل إرهابي استهدف عاصمة كازاخستان الما آتا، إلى مقتل 3 أشخاص بإطلاق نار في لينكو تشير شرق بريطانيا، وغيرها من الأعمال الإرهابية في أكثر من مكان في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأميركية أو في تركيا.

حقيقة واحدة تتجلى، وهي أن الأرهاب التكفيري الذي أرادوه أن يعشعش في المنقطة العربية، تحت عنوان أكذوبة "الربيع العربي"، بدأ في رحلة العودة إلى منابته، بعد فظائعه في سورية وليبيا والعراق ومصر واليمن، وهو في طريق هذه العودة يخبط أينما طالت يده؛ كما حصل في تركيا وفي السعودية.

وإذا كانت ثمة إجماع على أن الإرهاب صار آفة تهدد العالم، إلا أن الغرب مايزال يكابر بعنجهية منقطعة النظير، على هذه الأخطار التي بدأت تضرب في عقر داره، حيث لا يرى إلا المصلحة "الإسرائيلية"؛ كحال وزير الخارجية البريطانية الجديد بوريس جونسون، الذي يبدو أنه معجب بنظيره السعودي عادل الجبير، بحيث إنه لم يرَ فور توليه منصبه من "نهاية للمعاناة السورية" إلا برحيل الأسد، دون أن يأتي بكلمة واحدة على إرهاب "داعش" أو "القاعدة".

بشكل عام، لا ينظر هذا الغرب الذي تغلغل العقل التلمودي إلى نخاعه إلى أصول الإرهاب والتكفير، ومنشئه، وضرورة التوجّه إلى حلفائهم واتباعهم لتغيير نمط التعليم والتربية الذي يؤسس لموجات الإرهاب والتكفير. ففي السعودية مثلاً، ثمة "جامعة محمد بن سعود" تخرج مئات وربما آلاف من حمل شهادة الدكتوراه بالتكفير، ومن عناوين أطروحات دكتوراه في عام دراسي واحد: "أوجه الشبه بين اليهود والرافضة في العقيدة"، "اليمانيات المسلولة على الرافضة المخذولة"، "الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة"، و"الحجج الباهرة في إفحام الطائفة الكافرة والفاجرة".

هذه الجامعة تضم نحو عشرين ألف طالب شريعة، فإذا كان هذا النمط من التعليم، فكم تخرج من حملة الليسانس؟ وكم تخرّج الجامعات السعودية الأخرى، التي في كل واحدة منها كلية شريعة؟ ثم كم هو عدد الخريجين من المعاهد الثانوية على هذا النحو؟

وماذا أيضاً عن المدارس والمعاهد "الوهابية" المنتشرة في العالم بتمويل مذهل من المملكة السعودية؟

وماذا أيضاً عن فتاوى التحريم والتكفير التي تصدر يومياً، والتي لا تركب على قوس قزح؟

بأي حال، فسورية، بدولتها الوطنية العميقة، قاومت وواجهت هذا الهجوم التكفيري - العربي - الغربي - الصهيوني، ودفعت أغلى الاثمان، لكنه القدر الذي وضعها دائماً في قلب التاريخ وصناعته، وها هو تحالف أعدائها يترنح ويتلقى الضربات:

1- الإرهاب الذي ارادوه أن يعشعش في بلاد الشام وبلاد الرافدين من أجل تفتيت هذه المنطقة وجعلها قبائل تلمودية متناحرة، يرتد بقوة إلى مصدريه ورعاته وحماته.

2- وزير الخارجية البريطانية الجديد كأنه لم يستفد من أسلافه الذين تهاووا، وقد استُقبلت حكومته الجديدة بإرهاب في لينكوتشير.

3- السعودية تدخل في أزمات عميقة؛ سياسية واقتصادية وتنموية، إضافة إلى الصراع على السلطة الذي أخذ يطل بقرنه بقوة.

4- هولاند على طريق ساركوزي في فرنسا، حيث إنه سيحصد في شهر آذار من العام المقبل خيبة الأمل الكبرى؛ حينما يرى نفسه على مزابل تاريخ فرنسا.

5- تركيا، لنتابع تطوراتها الانقلابية التي بدأت تداعياتها منذ عام 2013، وتجلت في انتفاضة شعبية بداية في ميدان "تقسيم"، ثم بالنتائج الانتخابية المرتبكة في دورتين انتخابيتين كانت نتيجتهما تعبير واضح عن المأزق الكبير الذي أخذت تركيا تدخل فيه، والذي تُرجم بسلسلة من التفجيرات الإرهابية، وبزيادة الانقسام الوطني، واتساع الصراع الدموي مع حزب العمال الكردستاني، وليس انتهاء بالمحاولة الانقلابية الفاشلة التي لم تنته تفاعلاتها بعد.

ثمة حقيقة أمام الأهوال التي بدأ الغرب وأتباعه من الأعراب يتذوقونها، ومنذ سقوط حكم "الإخوان" في مصر، وتعثُّر العدوان على سورية، وانكفاء أوباما عن غزو سورية، ورفضه لخطط تركيا المتعلقة بمناطق حدودية عازلة، وللحظر الجوي، نتيجة معادلات القوة وبفعل تداعيات الانخراط الروسي الداعم للدولة الوطنية السورية، وتحوّل التوازنات الإقليمية التي قامت على صمود سورية الميداني وتلقيها الدعم المناسب من حليفيها إيران وحزب الله في مجابهة "داعش" و"جبهة النصرة" وسواهما من جماعات الارهاب والحرب بالوكالة التي تقودها واشنطن وانكشاف دور تركيا المحوري في توليد الإرهاب الذي ارتد داخل تركيا نفسها وفي سائر أنحاء العالم، واحتضانه ودعمه بالشراكة مع قطر والسعودية، في نفس الوقت الذي تغرق فيه مملكة الرمال أكثر فأكثر في شر أعمالها في اليمن والبحرين وفي أكثر من مكان.