منذ الاستقلال وقانون الانتخاب كان نقطة الخلاف الداخلية، وكل عهد رئاسي كان يفصّله على قياسه؛ هذا ما حصل مع كل رؤساء الجمهوريات الذين كانوا يعدلون بعدد مقاعد النواب، ويرسمون الدوائر الانتخابية بما يؤمّن لهم أكثرية نيابية تسمح لرئيس الجمهورية أن يحكم دون ان يُحاسب، ورئيس الحكومة المعيّن من رئيس الجمهورية يُحاسب ولا يحكم، فبدأت الشكوى من هذه المعادلة القائمة، ورفع شعار "المشاركة" في السلطة.

وقانون الانتخاب كان يفصَّل وفق ما يريده رؤساء الجمهورية، لضمان التجديد أو التمديد لهم، وهو ما فعله الرئيسان بشارة الخوري وكميل شمعون، فجدد الأول بعد تزوير الانتخابات النيابية عام 1947، وانتهى بـ"ثورة بيضاء" أسقطته في العام الثالث من ولايته في أيلول من العام 1952، في حين لم يتمكن الثاني من التجديد له بعد انتخابات نيابية أسقط فيها رموزاً من الطبقة السياسية الحاكمة ومن رموزها: صائب سلام وكمال جنبلاط وأحمد الأسعد، وانتهى بـ"ثورة حمراء" دموية في نهاية عهده عام 1958.

وفي عهد الرئيس فؤاد شهاب ابتُدع قانون لتحجيم معارضيه، ويقدّم منافسين لهم، فكان قانون العام 1960 على أساس القضاء، وتم توزيع الدوائر، بما ينهي أي أثر لعهد شمعون، فحكم شهاب بكمال جنبلاط والشيخ بيار الجميل، من خلال تكبير كتلتيهما النيابية.

فقانون الانتخاب هو أساس في إصلاح النظام السياسي، فأقرّ اتفاق الطائف أن يكون خارج القيد الطائفي بعد أول دورة انتخابات، لبدء الخروج من الطائفية، وأعطى تمثيل الطوائف في مجلس الشيوخ، لكن هذين البندين الإصلاحيين لم ينفّدا، وهذا ما أدى إلى استمرار الأزمة اللبنانية التي سببها النظام الطائفي، الذي لم تتشكل أيضاً "الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية"، السياسية خصوصاً والطائفية عموماً، وهو ما أفرز هذا المناخ الطائفي الذي تحول إلى مذهبي، وبدلاً من ان ننتقل الى قوانين مدنية، نلجأ إلى أخرى طائفية، وهو ما يحصل عند البحث في قانون الانتخابات، إذ يحاول أمراء الطوائف أن يفصّلوه على قياس مصالحهم، وبقائهم في مواقعهم.. فيكرسون الفساد.

إن اتفاق الطائف رسم خارطة طريق لإصلاح النظام السياسي، لم يسلكها أحد، بل بعضهم قطعه برمي الحجارة والأتربة، كي لا تعبر سيارة الإصلاح التي تم تعطيلها.

الإصلاح يبدأ من تكوين السلطة، وأساسه قانون انتخاب يعتمد النسبية كنظام انتخابي، والدائرة الكبرى على كل لبنان، أو عبر المحافظات، وهذا الخيار الإصلاحي له مؤيدون كثر في الشعب اللبناني، ولدى أحزاب وتيارات وفعاليات ثقافية وفكرية، أن نبين نظام الأكثرية أنه مسبب للأزمات، ومجدد للفتن والحروب..

لذلك لابد من تحرّك شعبي ضاغط باتجاه إقرار قانون انتخاب جديد، تكون النسبية عنوانه، وإلا فإن لبنان إلى الانتحار الذاتي.

النائب السابق فيصل الداوود

الأمين العام لحركة النضال اللبناني العربي