في العام 1923 أي منذ قرن تقريباً نشرت مجلّة "الهلال" المصرية لنخبة من كتّاب العرب ومفكريهم مجموعة من الأجوبة على الأسئلة المرتبطة بمسائل الهوية والنهضة العربيّة والعروبة والغرب والشرق ومستقبل الضاد.أسئلة وأجوبةتتكرّر فلا تفقد صلاحيتها، بل نراها تتجدّد بالمعاني والهموم نفسها، وكأنّ التاريخ العربي يدور بالمعنى الفكري.لا يتغيّر في الأمر سوى أشكال الكتابة.

فعلاًعندما نتصفّح الأجوبةنجد أجدادنامقيمون بيننا ونحن نستعيد ما نشروه من قبلنا:

كتبميخائيل نعيمة: "إذا كان لما تعودنا أن ندعوه "رقيا" أو "تقدما" من معنى فمعناه يجب أن يقاس بالسعادة الناتجة عنه. ولا مقياس للسعادة، في نظري، إلا واحد. وهو مقدار التغلب على الخوف بكل أنواعه، خوف الجوع والألم والفاقة والعبودية وكل ما هناك من ضروب الخوف. لأن التغلب على الخوف يولد تلك الطمأنينة الروحية التي لا سعادة دونها. فإذا كانت المدنية الغربية، كما نعرفها، تساعد على استئصال الخوف أكثر من المدنية الشرقية فهي حرية بالحفاظ والتقليد. وحري إذ ذاك بالشرق أن يتبنى من الغرب برلماناته ومعاهده العلمية والمدنية وأن يتزيا بأزيائه الأدبية وألا يقف في تقليده عند حد..."

الدكتور طه حسين، قال: " الشرق العربي كله مضطرب اضطرابًا شديدًا لم يكن لنا به عهد من قبل...الاضطراب مصدره أن العرب في حالة انتقال من مرحلة لمرحلة، فمتى لم نكن في مرحلة انتقالية؟ لكن يبدو أنه انتقال من سيئ إلى أسوأ... يجب أن نندفع في الطريق العلمية الغربية اندفاعا لا حد له لأن العلم قد أصبح غربيا وليس لنا فيه نصيب قومي. وعلى العكس من ذلك في الفن والأدب والحياة الاجتماعية فلنا فنوننا وآدابنا ونظامنا الاجتماعي. وواجبنا هو أن نحتفظ بشخصيتنا قوية واضحة في هذه الأشياء، وألا نقتبس من أدب الغرب وفنه ونظامه الاجتماعي إلا ما يمكّن شخصيتنا من أن تنمو وتتطور وتحتفظ بما بينها وبين العالم المتحضر من الاتصال".

وعن اقتباس عناصر المدنية الغربية في الأدب والسياسة والاجتماع، كتب أنيس خوري المقدسي: "نعم (للإقتباس) ولا.. نعم إذا أريد بالعناصر الغربية محاسن ما عند القوم من أسباب المدنية والعمران كأسباب الصناعة والإدارة والعلوم الطبيعية. ولا إذا كان المراد تقليد المدنية الغربية تقليدا أعمى يذهب بشخصيتنا القومية ومحاسن عواطفنا الشرقية...يجب أن يُقتبس النورأنّى في الغرب أو في الشرق، في الشمال أو الجنوب، ... والحقيقة مفيدة أينما ظهرت، والمهم أن نسعى وراءها بشرط أن تقوى بذلك شخصيتنا وإلا أضعنا أنفسنا بالتقليد وفنينا في سوانا".

أما ​جبران خليل جبران​، فقد أجاب: "إن الشرق... قد أصبح مستعمرة كبرى للغرب والغربيين.أما الشرقيون الذينيفاخرون بماضيهم ويتباهون بآثارهم ويتبجحون بأعمال جدودهم، فقد صاروا تابعين بأفكارهم وميولهم ومنازعهم للفكرة الغربية والميول والمنازع الغربية... في عقيدتي أنه ليس بالإمكان تضامن الأقطار العربية في زمننا هذا، لأن الفكرة الغربية القائلة بميزة القوة على الحق ... لا ولن تسمح بذلك التضامن طالما كان له الجيوش المدرّبة والبوراج الضخمة لهدم كل ما يقف في سبيل منازعها.... وكلنا يعلم أن كلمة ذلك الروماني «فرق تسد» لم تزل قاعدة مرعية في أوروبا. ومن نكد الدنيا، ومن نكد الشرق والغرب معا، أن يكون المدفع أقوى من الفكر،والحيلة السياسية أفعل من الحقيقة... وما عسى ينفعكم التضامن في الأمور العرضية وأنتم غير متضامنين في الأمور الجوهرية، وماذا تجدي الألفة في المزاعم وأنتم متباينون في الأعمال؟

ألا تعلمون أن الغربيين يسخرون بكم عندما تظهرون رغبتكم في التضامن السياسي والاقتصادي مع أنكم تطلبون منهم الإبرة التي تخيطون بها أثواب أطفالكموالمسمارالذي تدقونه في نعوش أمواتكم؟.

إن السر في هذه المسألة ليس بما ينبغي أن يقتبسه الشرق أو لا يقتبسه من عناصر المدنية الغربية، بل السر كل السر هو ما يستطيع الشرق أن يفعله بتلك العناصر بعد ان يتناولها....ان روح الغرب صديق وعدوّ لنا. صديق اذا تمكنا منه، وعدو اذا تمكن منا، وصديق اذا فتحنا له قلوبنا وعدو اذا وهبناه قلوبنا، صديق اذا أخذنا منه ما يوافقنا وعدو اذا وضعنا نفوسنا في الحالة التي توافقه....اصبحت بلادنا مجموعة مستعمرات صغيرة مختلفة الأذواق، متضاربة المشارب، كل مستعمرة منها تشد في حبل احدى الأمم الغربية وترفع لواءها، وتترنم بمحاسنها وامجادها. فالشاب الذي تناول لقمة من العلم في مدرسة اميركية قد تحول الى معتمد اميركي، والشاب الذي لبس قميصاً من نسيج مدرسة روسية اصبح ممثلاً لروسيا... الى آخر ما هناك من المدارس وما تخرجه في كل عام من الممثلين والمعتمدين والسفراء. وأعظم دليل على ما تقدم اختلاف الآراء وتباين المنازعفي الوقت الحاضر في مستقبل العرب السياسي.إن الغربيين كانوا في الماضي يتناولون ما نطبخه فيمضغونه ويبتلعونه محولين الصالح منه إلى كيانهم الغربي، أما الشرقيون في الوقت الحاضر فيتناولون ما يطبخه الغربيون ويبتلعونه ولكنه لا يتحول إلى كيانهم الشرقي بل يحوّلهم إلى شبه غربيين، وهي تبين لي الشرق تارة كعجوز فقد أضراسه وطورا كطفل من دون أضراس".

يجيب الشاعر جميل صدقي الزهاوي:"...وأخاف أن يمنعنا التعصب الأعمى والجهل البليد من ان نحذو حذو الغربيين فيزداد البون بيننا مع الزمان وتطول شقة الخلاف. هم يرتقون أكثر مما هم عليه اليوم ونحن نبقى في مكاننا واقفين... فثمة موقف ممانع أقرب لنبذ الغرب كل الغرب،والاعتماد على الذات بكل خواصها التراثية".وإعتبر مصطفى صادق الرافعي:" أن نهضة هذا الشرق العربي لا تعتبر قائمة على أساس وطيد إلا إذا نهض بها الركنان الخالدان: الدين الإسلامي واللغة العربية وما عداهما فعسى ألا تكون له قيمة في حكم الزمن ...وإذا كان لابد للأمة في نهضتها من أن تتغير فإن رجوعنا إلى الأخلاق الإسلامية الكريمة أعظم ما يصلح لنا من التغير.

بينما معروف الرصافي كاتباً: "إن المسلمين اليوم وقبل كل شيء في أشد الحاجة إلى إصلاح ديني عام وذلك لا يكون إلا بعدمايأخذ القوم قسطهم من التربية والتعليم حتى ينشأ فيهم جيل مستعد لقبول الإصلاح. فإذا تم للقوم إصلاحهم الديني ... فقد تم اتحادهم الذي هو أكبرعاملفي بلوغغايتهم".

مفارقات صارخة، برسم الجميع، تتشابه فيه الكتابات والأبحاث وكأنّ التاريخ يتكوّرطيلة قرن تتجدّد فيها الأزمنة والأزمات نفسها فوق الأرض ولو صارت تتسطّح وتنفلش في القرن الواحد والعشرين بفضل العولمة والأنترنت.