في الشأن العام، كما في الحياة اليومية، ثمة بحث متواصل لإيجاد حلول لمشاكل وأزمات تواجه الأفراد والجماعات، الدول والمجتمعات. في بعض الحالات، يصل البحث إلى الفضاء والكواكب لاستنباط حلول قد تكون مفيدة لقاطني الأرض، أما في هذه المنطقة من العالم فالبحث يصل إلى حد ادعاء البعض معرفة خبايا السماء وإرادة الخالق في ما يخص الأرض وأهلها.

في تركيا، الجيش هو الحل بنظر الانقلابيين، والإسلام هو الحل بنظر الإسلاميين، أينما حلّوا وتحت أي راية نشطوا. الشعار المرتبط بالعسكر ولّى زمنه بعدما بدا خشبة خلاص للشعوب في عدد من دول العالم الثالث في حقبة مضت. في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية ودول آسيا وأفريقيا، وصل الجيش إلى الحكم، وكان بنظر المناصرين أداة تطوير وإصلاح وعصرنة لاقتلاع الطبقة الحاكمة ولبناء الدولة الحديثة، المستقلة، والمحايدة عن صراعات الدول الكبرى. في تلك المرحلة نشأت حركة عدم الانحياز في 1955 ورفعت شعار «الحياد الإيجابي».

في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كانت الانقلابات العسكرية رائجة في المنطقة والعالم. وحصلت محاولات انقلاب عسكرية في عدد من دول المنطقة لم يكتب لها النجاح، لا سيما في الأردن ولبنان، على رغم الاختلاف الشديد بين الحالتين. تعددت أسباب الانقلابات، غير أن الهدف واحد: التغيير الجذري أو "الثوري". التغيير حصل وتبدلت ركائز الدولة والمجتمع، والنتيجة لم تفِ بالغرض الموعود. ولم يعد بالإمكان إزاحة الحاكم إلا بالانقلاب أو الثورة المضادة.

وكان للعالم العربي في هذا المجال حضور وازن في حقبة ارتبطت خصوصاً بالحالة الشعبية الواسعة التي أطلقها الرئيس جمال عبد الناصر على امتداد العالم العربي. أطاح عبد الناصر النظام الملكي في 1952 وأعلن الثورة ضد الإقطاع والفساد والاستعمار. وقبل مصر، وصل العسكر إلى السلطة في سوريا، ولاحقاً في العام 1958 في العراق ثم في دول أخرى، منها اليمن وليبيا والسودان والجزائر في ظروف سياسية وتاريخية مختلفة بين كل من هذه الدول. كما ارتبط حكم العسكر في العالم العربي بالقضية الفلسطينية، أي تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما بالنسبة إلى «دول الطوق». وجاءت حرب 1967 لتلحق الهزيمة بالجيوش والقادة السياسيين الذين رفعوا لواء إسقاط «جيل الهزيمة» بعد حرب 1948.

بعد عبد الناصر، فتح أنور السادات الباب لانخراط الإخوان المسلمين في العمل السياسي المباشر بعد سنوات من الحظر والاستهداف. وسرعان ما برزت تنظيمات إسلامية مسلحة كفَّرت الحكام والمحكومين، وكان أبرز ضحاياها السادات نفسه الذي قضى اغتيالا على يد إحدى هذه الجماعات.

رفع الإخوان المسلمون في مصر شعار «الإسلام هو الحل» واعتمدته التيارات الإسلامية في المنطقة والعالم. وبحسب مصطفى مشهور، المرشد العام السابق للإخوان المسلمين، الإسلام هو الحل على قاعدة أنه عقيدة وشريعة تشمل جوانب الحياة كافة. وأبرز مَن تبنى هذا الشعار أخيراً الرئيس المصري محمد مرسي في حملته الانتخابية، ولاحقاً في ممارسة السلطة التي احتكرها الإخوان واصطدموا بالمؤسسة العسكرية. وعاد الجيش إلى السلطة في مصر بحلول لا تقل راديكالية عن الحل الإسلامي. لم يقع صدام مماثل بين الإسلاميين والجيش في تونس، إلا أنه كان مدوياً في الجزائر في التسعينيات.

تركيا قدمت نموذجا مختلفا: حل ينادي به الجيش، الأتاتوركي النشأة والتوجه، بمواجهة مشروع الحل الإسلامي الذي يتبناه الرئيس رجب طيب اردوغان، ويحمل في طياته صراعا على السلطة مع المشروع الإسلامي المنافس بقيادة فتح الله غولن. تركيا اردوغان في مخاض الانتقال من العلمانية إلى التوجه الإسلامي الذي لم تُرسم حدوده بعد، خلافا لمسار حالات التحول المعهودة من أسلمة المجتمع إلى أسلمة الدولة.

حالات التغيير والبحث عن حلول جذرية لانتشال الدول وشعوبها في المنطقة من الأزمات والركود لن تتوقف. ولا يبدو أن الحلول ستأتي خارج سياق الشمولية والإلغاء، خلافا للتحولات التي شهدتها أوروبا بعد انتهاء الحرب الباردة أو اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.

الصراع حول ماهية الأفضل لمصائر الدول والشعوب متواصل بين رافعي شعارات حلول واهية تفتقر إلى المرتكز العلمي والعملي، وغالباً ما يأتي الكلام عن فضائل الإيمان الديني أو مزايا الإيمان الوطني. مثاليات لا تشفي غليل المواطن المؤمن والحريص على الوطن والمتمسك أيضاً بحقوقه كإنسان. وبين الحل الموعود والهدف المنشود قد يتلاشى الموجود.