قل إنّها مثالثة في الحصص من المناصب والوظائف بين الطوائف الثلاث الكبرى، المارونية والشيعية والسنّية، ضمن المناصفة التي ينصّ عليها «إتفاق الطائف» بين المسيحيين والمسلمين في كل المناصب والوظائف العامة في مختلف مؤسسات الدولة الدستورية والإدارية.

وهذه المثالثة تعني المساواة في هذا الحصص بين هذه الطوائف الثلاث، وهي مثالثة إدارية وليست مثالة سياسية، وهي تأخذ في الاعتبار حقوق هذه الطوائف الثلاث في أن تكون حصصها من المناصب والمواقع الإدارية أكبر من بقيّة الطوائف، كونها الأكبر عدداً بشَرياً، ولم يرَد منها تسليط الموارنة والشيعة والسنّة على أبناء بقية الطوائف التي حدّد الطائف حقوقها من هذه المواقع كلٌّ حسب حجمها ضمن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين.

لم تشمل هذه المثالثة الوظائفَ ما دون الفئة الأولى، خصوصاً أنّ «الطائف» قضى بإلغاء الطائفية في هذه الوظائف على أن تعتمد الكفاية والاختصاص في اختيار الموظفين إلى أيّ طائفة انتموا، حتى ولو كانوا من طائفة واحدة، ولكن وفقاََ لـ«مقتضيات الوفاق الوطني» التي تحدّثَ عنها هذا «الطائف» روعيَ موضوع المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في تعيين الموظفين، سواء عبر المباراة أو بالتعيين المباشر، خصوصاً أنّ الشروع في إلغاء الطائفية السياسية بدءاً بتشكيل الهيئة الوطنية المنصوص عنها في الاتفاق والدستور لم يحصل بعد، ما حتّمَ الاستمرار في التزام المادة 95 من الدستور التي تنصّ على الآتي:

«على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتّخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفقَ خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمّ بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.

مهمّة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسَي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.

وفي المرحلة الانتقالية:

أ- تمثّل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.

ب- تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويُعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامّة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها، وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة».

لقد تاجَر كثيرون من الساسة ولا يزالون في موضوع «المثالثة» وحرّفوها عن مواضعها ليَجعلوها مثالثة سياسية مارونية ـ شيعية ـ سنّية تحكم البلد وتتحكّم به، وقالوا فيها إنّها ترمي الى جعلِ البلد رهينَ الطوائف الثلاثة الكبرى بمعزل عن بقية الطوائف التي ستكون في رأيهم «خاضعة» لمشيئة زميلاتها الكبيرات.

مسكينة أيتها «المثالثة» لقد قيلَ فيك الكثير من السوء... ونسيَ مَن هاجموك ونعَتوك بالهيمنة أنّ موادَّ أساسية في دستور «الطائف» لم تنفّذ بعد، وأنّ ما نُفّذ جاء مشوّهاً.. بعضُهم يطالب بتطبيق «الطائف»، فيما هو يرتكب فيه فِعلَ المخالفة كلّ يوم. وأكثر من ذلك يَذهب البعض الى التحذير من إطاحة هذا الاتفاق وهو لم يقرأه يوماً، بل إنّه لم يعرف أنّ ما نصّ عليه إنّما صار دستور الجمهورية اللبنانية، وأنّ إطاحتَه لا تتمّ إلّا بتعديل أو إصلاح دستوري، بل بـ»ثورة دستورية» لا يمكن تحقيقها بسهولة.

ولكنّ الواضح أنّ من يتذرّع بـ«المثالثة» إنّما يتهرّب من الالتزام الأمين لاتفاق الطائف، وإنّ الإيغال في شَيطنتها لا تفسير له إلّا الهروب من إلغاء الطائفية التي يقضي بها هذا الاتفاق، بدءاً مِن انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي إلى إنشاء مجلس الشيوخ، وإقرار اللامركزية الإدارية وإقرار قانون انتخاب يحقّق صحّة التمثيل وعدالته بين أبناء الشعب اللبناني. فالمثالثة أمام هذه القضايا الكبرى لا تقدّم ولا تؤخّر ولن تجعل فئةً من اللبنانيين تتحكّم برقاب الفئة الأخرى، أو أن تأخذ من حقوق فئة لمصلحة فئة أخرى.

بل إنّ التنفيذ الجدّي والأمين لدستور «الطائف» يُغني عنها، لأنّ الوطن سيَخرج في هذه الحال من رحاب الطائفية إلى رحاب دولة الإنسان... فكُفّوا يا ساسة عن المتاجرة بـ«المثالثة»، واعملوا لإلغاء الطائفية.