حلّ الروح القدس على القوم فصاروا ينطقون باللغات كلها... إنها عنصرة لبنانية مفاجئة فإذا ألسنة النار والنور تنتصب فوق رؤوسهم، تباركت أسماؤهم!

وإلاّ كيف كان الحوار محكوماً بلغة واحدة هي لغة اليأس والحقد والبغضاء، فباتوا يتحدّثون بلغة الأمل والرجاء والمحبة.

وبعدما كان البحث محصوراً بلغة إنتخاب رئيس للجمهورية ولغة قانون الإنتخاب. راحوا يتحدثون، الى هذا وذاك، بلغات عدة: لغة تطبيق إتفاق الطائف (...ودستور الطائف) كاملاً. لغة ضرورة إنشاء مجلس الشيوخ. لغة التحول الى الإنتخابات النيابية على قاعدة إلغاء الطائفية السياسية. لغة اللامركزية الإدارية الموسعة. لغة الدائرة الإنتخابية الوسعة: إما على قاعدة لبنان دائرة واحدة، أو على قاعدة الدوائر المتعددة ما يفترض مزيداً من المحافظات والأقضية في تعديل الجغرافيا الجيو-سياسية الوطنية...

وبدلاً من الغمز واللمز بين القوم، كل يتناول الآخر بالتوشيحات المعروفة، وأصل الروح القدس مهمته، ويعترف بأنّ بركات الرئيس نبيه بري ودعواته أسهمت الى حد كبير في هذه الأجواء المرحرحة منذ أن حول سجالاً مفترضاً بين الوزيرين اللدودين جبران باسيل وبطرس حرب من كلام لاذع الى مسحة مرح وفرح وسرور... فانتهى (موقتاً) »دربي البترون« الى تعادل إيجابي، بخلاف السابق حيث كان لابد من تسجيل الأهداف.

وهل هي مجرّد مصادفة أن يجمع المتحدثون، من القوم، إثر إنتهاء ثاني ايام الثلاثية على إيجابية غير مسبوقة؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر:

علي حسن خليل: من أهم الجلسات... نسبة توافق تسمح باستمرار الحوار توصلاً للحلول!

حكمت ديب (ناطقاً بإسم جبران باسيل): إيجابية ... إيجابية... إيجابية.

سامي الجميل: إنجاز مهم (...) جدية (...) شغلة مفصلية (...).

علي فياض: جلسة عميقة وجدية وهادئة... وربما هي الأعمق في الإحدى والعشرين جلسة حوارية عقدت حتى اليوم. إنها أكثر من سلّة... إنها »طابع إصلاحي كامل«.

هل نصدق أعيننا في ما نقرأ، أو نصدق آذاننا في ما نسمع؟

كله جيد. الكلام على مجلس الشيوخ عال. وعلى اللامركزية الإدارية عال العال. وعلى مشاريع النسبية عال العال العال...

ولكن...

اين رئاسة الجمهورية؟ ماذا عن الفراغ الرئاسي؟... وماذا جدياً عن قانون الإنتخاب الذي اعلنت اللجنة المشتركة عجزها عن التوصل الى أي أمر في شأنه؟!

وهل هذه الهمروجة هي ذر للرماد في العيون لتغطية الفشل في التصدي للموضوع الأساس (ملء الفراغ الرئاسي)؟!. ثم ان الروح القدس مازال موجوداً في الكنيسة منذ أكثر من 2000 سنة، فهل يبقى ناراً ونوراً فوق رؤوس أهل الحوار لأكثر من 24 ساعة؟!