كرّس ترشُّح شخصية مثل العماد ميشال عون، و"الكباش" السياسي القاسي الدائر حوله، حقائق ومواصفات جعلت ما بعد هذا الترشيح غير ما قبله، ووضعت حداً لمقولة إن "كل ماروني يمكن أن يكون رئيساً للجمهورية اللبنانية".
بات البعض يرى أن دخول عون معترك التنافس الرئاسي، رفع من مستوى المرشحين لهذا المنصب، وبات الترشُّح له يتطلّب شروطاً ومواصفات لم تكن مندرجة ضمن "لائحة الشروط للوصول إلى بعبدا"، إذ ليس صحيحاً أن كل ماروني يصلح ليكون رئيساً، وبالتالي ليس كل ماروني مرشح حقيقي للرئاسة، كما ليس صحيحاً أن كل سُنّي يمكن أن يكون رئيساً للحكومة، وليس كل شيعي يصلح ليكون رئيساً لمجلس النواب..
أكل الدهر وشرب على هذه المقولة العنصرية، التي جعلت موارنة كباراً ينامون على وعد الرئاسة ويصحون مكسوري القلوب، وبالعكس كذلك، نام بفعلها موارنة مغمورين، وصحوا رؤساء، لأن أطرافاً خارجية قررت نيابة عن اللبنانيين في اللحظة الأخيرة أن يكون فلان رئيساً وليس علاناً.
إلا أن الأحداث والتطورات جعلت هذا المنحى، مثله مثل الكثير من "الاعتقادات والظنون اللبنانية" المتوهمة، خارج دائرة البحث، ليس فقط لأنه يستفز معظم اللبنانيين، بمن فيهم شريحة كبرى من الموارنة، لكن لأن القوى المحلية اللبنانية الوازنة بات لها كلمة ودور في اختيار الرئيس العتيد، وفي وضح حد أدنى مقبول من المواصفات الشخصية المشروطة عليه.
جاء ترشُّح العماد عون للرئاسة ليشترط بأن يكون المؤهّل لدخول بعبدا زعيماً ذا حيثية في بيئته، وأن يكون صاحب موقف واضح من القضايا الوطنية، فوضع حداً لأؤلئك الذين كانوا ينالون رضى السفارات ويتولّون عبرها رئاسة البلاد، وكانوا مجرد موظفين برتبة "رئيس" يتلقون الأوامر والإملاءات من السفراء والقناصل.
وجاء هذا الترشّح ليفرض مواصفات وطنية لرئيس البلاد، إذ إن ترشُّحه مقابل سمير جعجع كان مناسبة لتأكيد أن مثل جعجع لا يصلح ليكون رئيساً للبنان، ولو كان مارونياً، لأنه محمّل بكل أثقال الحرب الأهلية وارتكاباتها، وعليه من "الثارات" وعلى يديه من الدماء ما يجعل وصوله إلى قصر بعبدا فاتحة لحرب أهلية جديدة، يختلط فيها السياسي على الطائفي والطبقي، تكون أسوأ من حرب العام 1975، التي جعلت منه زعيم حرب وميليشيا، لوّث خلالها يديه بدماء ليس أخصامه من اللبنانيين فقط، من كل المستويات؛ رؤساء وفاعليات وأفراداً، بل بدماء رفاق دربه السياسي والطائفي والحزبي والسياسي..
كذلك، لا يصلح للرئاسة ماروني مثل العميل أنطوان لحد، لو كان حياً يُرزق، لأن من يرضى العمالة للعدو ويعمل لصالحه ويقتل لأجله أبناء وطنه، لا يؤتمَن على وطن وشعب.
استعمل شعار "كل ماروني مرشّح للرئاسة" للتغطية على تدخُّل القوى الخارجية في الأوقات الحرجة، فتقوم تلك القوى باختيار رئيس اللحظة الأخيرة، بمنأى عن إرادة اللبنانيين وخياراتهم السياسية، فهل الماروني السوري، مثلاً، أو القبرصي، مرشّح لرئاسة لبنان؟
هذا الشعار كان وما يزال يناسب الدولة أو الدول التي اعتادت على تعيين "أصدقاء" سفاراتها رؤساء على لبنان، سواء كانت تلك الدولة فرنسا أو أميركا، أو بـ"طبخة" مشتركة بينهما فيها نكهة عربية، أو من دونها.. وكان هذا الشعار يطلق حرية تلك القوى والدول في تعيين الرئيس، عبر انتخابه الشكلي في مجلس النواب، من دون أن تكبّل أيديها ضوابط وطنية وسياسية، أو مواصفات اجتماعية، اللهم إلا رعاية مصالح تلك الدول والعمل على نهج "نصائحها".
مواصفات بارزة باتت مطلوبة ممن يتنطّح لتولّي شؤون الرئاسة الأولى، ولعل خطوة الرئيس سعد الحريري في التخلّي عن ترشيح جعجع وتبني ترشيح سليمان فرنجية هي اعتراف حاسم منه بأن من يريد الوصول إلى قصر بعبدا لا يمكن له أن يكون معادياً لسورية والمقاومة.
كانت مشكلة الراحل كمال جنبلاط أنه كان يُجري "امتحان قبول" للمرشحين لرئاسة الجمهورية، فيضطر هؤلاء إلى إقفال أزرار ستراتهم أمامه احتراماً وتقديراً لقامته، وبعد أيام كان يضطر بدوره إلى إقفال أزرار سترته عندما يصبحون "فخامة الرئيس".
اللافت أن أميراً يسميه أهل السياسة والصحافة بـ"الأحمق"، هو ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يريد الإبقاء على مثل هذا العرف الشائن في السياسة اللبنانية، من خلال ما نُقل عنه من قوله: "ومما يشكو سامي الجميل ليكون رئيساً"؟ فابن سلمان المستعجل في الوصول إلى مقعد الملك، ولو فوق جثة ولي العهد محمد بن نايف، يريد التسويق لجيل أولاد السياسة، والجميّل يستحق أن يكون رئيساً، إذا أصبح ابن سلمان ملكاً، لكن هل ستبقى المملكة على حالها طالما أن إدارتها ستكون بيد شخص مثل ابن سلمان؟