عندما حصلت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، كان الروس وال​إيران​يون يؤازرون خصمهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. تبين ان موقف موسكو وطهران سببه القلق من أن تعمّ الفوضى في تركيا ويتمدد على مساحتها التطرّف الداعشي. آخر دراسات قبل المحاولة الانقلابية أكدت أن 17% من حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه عملياً اردوغان يتعاطف مع سلوك "داعش".

راهن الروس والايرانيون على متغيرات يسلكها الحُكم التركي، خصوصاً في الملف السوري. هذا ما انتهجه لاحقاً اردوغان من خلال زيارة بطرسبورغ والتواصل مع طهران.

كما ان العواصم الإقليمية الفاعلة تريد المحافظة على ما تبقى من دول في المنطقة وترميم نُظم أنهكتها الحروب.

بادلت موسكو أنقره التحية ولم تتدخل جدياً في ​معركة حلب​ الاخيرة. بالنسبة للروس الاستدارة التركية أهم من معركة حول بلدة سورية أو أكثر.

كانت المجموعات المسلحة القريبة من تركيا تستأصل في طريقها شمال وجنوب حلب نفوذ المجموعات التي تأتمر بإرادة السعودية.

التواصل كان مفتوحاً بين الروس والاتراك وفق مبادئ أساسية جرى الاتفاق عليها خلال لقاء بطرسبورغ بين اردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. محور هذا الاتفاق هي نقاط ثلاث أشار اليها رئيس الوزراء التركي: حماية الحدود التركية-السورية، منع إقامة دولة كردية، وعودة النازحين السوريين من دول الجوار.

في خلفيات مشروع الإتفاق دعم الحل السياسي في سوريا من دون المس بموقع الرئيس بشار الاسد حالياً، اضافة الى اشراك معارضين سوريين في الحكومة العتيدة بعد فرض التسوية.

شعر تنظيم "القاعدة" ان "الاخوان المسلمين" بقيادة اردوغان يتحولون الى ما يشبه "الصحوات" في وجه مشاريع "القاعدة" ومتفرعاتها، ما استدعى مهاجمة زعيم "القاعدة" ​أيمن الظواهري​ لتنظيم "الاخوان" بشدة.

هنا يستفيد الروس بتوظيف "صراع النصوص الاسلامية" القائم بين "الاخوان" المرتكزين على الجنوح للسلم -خصوصا بعد الخسارات الكبيرة التي حصلت عندهم بعد الإطاحة برأسهم المصري- وبين "القاعديين" المستندين الى فكرة الحرب الدائمة ضد "الكفّار".

على هذا الأساس سيكمل اردوغان بالاستدارة، لكن ذلك لا يعني حلاً فورياً في سوريا الآن. لكنه مؤشر لمسار المرحلة المقبلة.

ماذا عن ضبط الحدود التركية-السورية؟

أتت العملية الداعشية في معبر اطما منذ يومين لتؤكد على حجم النزاع الذي سيقود الى حرب عسكرية مشتركة تركية-روسية ضد "داعش". أنقره ستلتزم بحصار المسلحين الذين لا ينفذون رغباتها الجديدة في سوريا. أما ما يتعلق بالكُرد فلن تسمح تركيا بالاتفاق مع الروس على إقامة دولة يخطّطون لها شمال سوريا. ستكتفي بالسماح لهم بخصوصية محدودة الصلاحيات في اقليم متواضع.

هنا يدفع الكرد ثمن التوافق التركي-الروسي، نتيجة تمددهم السريع وبسط نفوذهم وتهجيرهم لعائلات وبلدات عربية وتركمانية بكاملها.

الأسابيع المقبلة حاسمة لجهة تحديد الخيارات الإقليمية. لكن كل المؤشرات توحي بنضوج مشروع تسوية بين تركيا وايران و​روسيا​ حول مستقبل سوريا. ستكون الولايات المتحدة الأميركية شريكة به في حال أعلنت ترجمة الاتفاق مع موسكو لضرب الإرهابيين في حلب. فلننتظر التصرفات خلال الأسابيع المقبلة التي تحدد البوصلة وطبيعة التحولات.