اصيبت الرئاسة اللبنانية بعقم دخل عامه الثالث، دون ان ينجح احد في ولادة رئيس للجمهورية ينهي ولاية الفراغ في قصر بعبدا، ويعيد الحياة اليه بعد ان غادرته قسراً. وعلى الرغم من تقدم الطب ووسائله في دول اوروبا، لم ينجح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ولا رئيس حكومته ​جان مارك ايرولت​ في اخذ دور الطبيب الذي سينهي مشكلة العقم اللبناني في ما خص موضوع الرئاسة. وبعد انكفاء ​دول الخليج​ عن الدور الذي اضطلعت به منذ عقود من الزمن في المنطقة، عادت مصر الى الواجهة مجدداً فرتبت اوضاعها مع اسرائيل ولملمت قطع علاقاتها مع الدول العربية والخليجية لتعيد بناءها من جديد، وركبت القطار الغربي برضى اميركي وموافقة روسية كلاعب على الساحة يمكنه التحرك بين العرب والغرب براحة وفاعلية.

من هنا، يمكن فهم مغزى زيارة وزير الخارجية المصري ​سامح شكري​ الى بيروت والتي مهّد لها السفير المصري في لبنان ​محمد بدر الدين زايد​ بجولة تحضيرية للمسؤولين، ملمحاً الى ان زيارة شكري قد تتحول الى مبادرة. والواقع ان من تابع التطورات، لاحظ بما لا يقبل الشك مدى الترحيب المباشر وغير المباشر بهذه الزيارة من الافرقاء اللبنانيين، ومن الافرقاء المحليين والدوليين، ويمكن ايضاً ملاحظة مدى تفاعل وسائل الإعلام مع الزيارة المصرية والبعد الذي اعطتها اياه، بحيث بات الجميع يترقب ماذا يحمل شكري معه، في حين كانت زيارة ايرولت محكومة بالإعدام قبل ان تتم، اقله من الناحية الاعلامية.

ولكن اللافت فعلاً، كان توقيت الزيارة مع الكلام الصادر عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في ما خص الموضوع الرئاسي وبالتحديد مسألة رئاسة الحكومة والتي حملت جديداً في هذا السياق، مهما قيل عكس ذلك. هذا الامر شجّع على تكاثر الحديث عن "تفويض" يحمله شكري من دول الخليج وبالتحديد السعوديّة، وعن "ضوء أخضر" ايراني وغربي لتشخيص العقم اللبناني واستكشاف امكانية ادخاله الى غرفة العمليات من اجل التوليد.

لا معنى للقول ان الوزير المصري كان يتصرف بدافع مستقلّ، لجس النبض حول إمكانية القيام بشيء ما على صعيد رئاسة الجمهورية، لان هذا الكلام لا يمكن تدقيقه، فمحاولات جسّ النبض قام بها الكثيرون من مستوى شكري وأعلى من ذلك، ولم يبقَ أحد في المنطقة والعالم إلا ويعلم أسس المشكلة الرئاسية في لبنان، فعمليّة جس النبض باتت حجّة واهية. إضافة الى ذلك، لن تخاطر مصر بالقيام بأي مبادرة دون ان تكون حاصلة على الموافقة العربية في هذا الخصوص. صحيح انه ليس هناك من "تفويض" لاتخاذ القرار عن هذه الدول، ولكنه موجود للتشخيص وتقديم الاقتراحات، خصوصاً بعد التحرك الذي اعلنت عنه السعودية تجاه شركة "سعودي اوجيه" والّذي استفاد منه النائب ​سعد الحريري​ بشكل غير مباشر.

من الاستخفاف تحديد موعد للولادة الرئاسية، ولكن من المنصف القول أن تجهيز غرفة العمليات قائم، وان مقومات الولادة موجودة، وان التغطية المالية لعملية التوليد مؤمنة، ويبقى ايجاد الطاقم الطبي والطبيب الذي سيتولى العملية، وهذا ما يأخذ وقتاً، وبالتالي ليس من المنطقي القول ان الرئيس سيظهر قريباً او أنّه سيتأخر الى موعد آخر، فكل من الإحتمالين موجود وحظوظهما متساوية، ولو ان الحراك يوحي بأن المسألة اكتسبت الطابع الجدّي.

التحرّك المصري له مقوّماته، وهو يحظى باهتمام محلّي بارز وباحتضان اقليمي ودولي، ويمكن ان يشكّل ارضيّة صلبة لإتمام عملية الانقاذ الرئاسية، ويبقى ان نترقّب مدى التواصل الذي سيحصل مع حزب الله في هذا المجال، فاذا تمّ بالفعل على المستوى المطلوب، كان ذلك اول المؤشرات على ان التفاهم السعودي-الايراني غير المباشر في القضية اللبنانية سلك طريقاً معبّدة، ولا شك ان ثماره ستكون قريبة.