لاريب أن تحركات بعض المجموعات "السلفية" في شوارع طرابلس، إثر معارك حلب، وقيامهم بتوزيع الحلوى على المارّة، ليست عفويةً، بل تشكّل تقاطعاً مصلحياً لعدد من القوى المحلية والإقليمية في توقيتها.
أولاً، وجدت القوى "السفلية" في معارك الشهباء فرصة سانحة لإعادة تموضعها في لبنان الشمالي، بعد انكفائها، لاسيما بعد انتهاء جولات العنف الدامي بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة، وكعادتهم لجأ تكفيريو طرابلس، خصوصاً المنضوين منهم تحت قيادة الشيخ سالم الرافعي، إلى إثارة النعرات المذهبية، لتجييش الشباب الطرابلسي وتعبئته، لمواكبة المرحلة المقبلة، وما ستؤول إليه الأمور في المنطقة، وانعكاساتها على لبنان، لاسيما إذا آلت الأوضاع إلى مزيد من التعقيد والانفجار، وعدم توصُّل القوى الدولية والإقليمية إلى تسوية لإنهاء الصراع الدائر في هذه المنطقة، عندها يكونون حاضرين لتوسيع دائرة الصراع، لتشمل لبنان، والعودة به إلى حلم "الإمارة".
ثانياً، يشكّل الخطاب "الوهابي" - التكفيري، وتاثيره في الشارع، تقاطعاً أساسياً مع أداء الوزير أشرف ريفي السياسي، تحديداً في حملته الدائمة على حزب الله وخط المقاومة، كذلك قد يستغلهم في مواجهة الرئيس سعد الحريري، خصوصاً أن اللواء عازم على تشكيل كتلة نيابة في الانتخابات المقبلة، حسب ما يقول.
وهنا يطرح السؤال: هل يُلدغ "السلفيون" من جحر مرتين؛بعد تخلّي وزير العدل المستقيل وتياره عن "قادة المحاور"، ثم سوقهم إلى السجون؟ يجيب مرجع سياسي طرابلسي بأن "ذاكرة سلفيي طرابلس قصيرة جداً، وقد يكررون أخطاءهم عينها في أي وقت، لذا قد يستغلهم ريفي أو سواه".
ثالثاً، بعد نجاح الجيش اللبناني في ضبط الأوضاع الأمنية بقبضة من حديد في عاصمة الشمال، ووقوفه على مسافة واحدة من مختلف الأفرقاء السياسيين، الأمر الذي يعطي ورقة قوة لقائد الجيش في معركة رئاسة الجمهورية، ويثبّت موقعه على الخريطة السياسية، بالتالي فإن تحرُّكاً سلمياً لـ"السلفيين" يؤكد أن الوضع الأمني تحت السيطرة حتى الساعة، وأن الجيش وقائده مستعدون للتصدي لأي محاولة إخلال بالأمن، خصوصاً في حال تطوُّر أي نوع التحرّكات المذكورة.
رابعاً، بعد بداية الاستدارة التركية البطيئة نحو روسيا وإيران، قد تبقى المملكة العربية السعودية من القوى الإقليمية الفاعلة الوحيدة في مواجهة محور المقاومة، ففي حال قررت إشعال المنطقة بأسرها، ومنها لبنان، بعد غرقها في الوحول اليمينة، وعجزها عن تغيير الحكم في سورية، وتراجع نفوذها في العراق، وفشلها في إحباط الثورة السلمية في البحرين على مدى ستة أعوام، رغم دخول قوات درع الجزيرة إلى هذا البلد، فليس مستبعَداً أن تستخدم السعودية القوى "السلفية" والنازحين السوريين إذا أرادت استهداف المقاومة في لبنان، وبالتالي محاولة استنساخ المشهد السوري في لبنان، برأي مرجع إسلامي.