تُعتبر معركة جنوب غرب حلب هي الأعنف منذ بداية الحرب السورية في العام 2011، فقد حاول من خلالها "جيش الفتح" السيطرة على مواقع الجيش السوري في مدرسة التسليح والمشاريع 1070 ومنطقة الراموسة، التي ادّعى التكفيريون فيها أنهم أحكموا السيطرة على الطريق بين شرق حلب والريف الغربي، لكنها لم تحقق أهدافها، على الرغم من النمط جديد من المواجهات (الشاحنات المفخخة يليها الانغماسيون ومن ثم فرق الاقتحام)، وبقيت الراموسة تحت مرمى نيران الجيش السوري، وكذلك الممر الضيق للمسلحين، وهو غير آمن أصلاً.

من جهته، توعّد عبد الله المحيسني بمعركة طاحنة لتحرير حلب، وبتجهيز ألف انغماسي، بعد فشل المحاولات المتعددة لكسر الطوق عن مزارع الملاح وطريق الكاستيلو والعمليات الكبرى من الجهة الغربية، والتي حشد لها تسعة آلاف مقاتل، في جبهة لا يتجاوز عرضها 2 كلم.

أما روسيا، فقد كثّفت غاراتها على مواقع الفصائل المسلحة على طول خط المعارك بين حلب وإدلب، بالتوازي مع النشاط السياسي المستمر للتوصُّل إلى قاعدة اتفاق بين موسكو وواشنطن، تضمن عملية فصل الإرهابيين عن الفصائل "المعتدلة"، ثم بادرت وزارة الدفاع الروسية إلى إعلان هدنة إنسانية يومية في حلب مدة 3 ساعات، لإدخال المواد الغذائية، والتي لم تلقَ قبولاً من الدول الغربية، ولا من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي اعتبرها غير كافية، وقد جاءت هذه الهدنة من أجل تخفيف الضغط السياسي عن روسيا، التي ماتزال مستمرة في هذه المعركة، رغم دعوتها للهدنة.

في هذه الأثناء، عُقد لقاء القمة بين بوتين وأردوغان في سان بطرسبورغ في العاشر من آب، بعد أن سادت أجواء متوترة بينهما، على أثر إسقاط الطائرة الروسية في سورية، والتوتر بين تركيا وأميركا بعد الانقلاب العسكري الفاشل، والذي حمّل أردوغان مسؤوليته لأميركا، وبعد معركة حلب الأكثر عنفاً، والتي لا تزال مستمرة، والتي بدا التدخُّل الروسي - الأميركي فيها واضحاً.

امتاز هذا اللقاء بالطابع الاستراتيجي، وقد تركّز البحث فيه على الأمور الآتية:

1- تأكيد بوتين على أهمية تطوير العلاقات، بعد التراجع الكبير الذي شهدته العلاقات الثنائية منذ الحادثة المأساوية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

2- إعراب أردوغان عن ثقته بأن يساهم التعاون الروسي - التركي في حل العديد من قضايا منطقة الشرق الأوسط، وكلام الرئيس الروسي بأن لموسكو وأنقرة هدفاً مشتركاً، وهو تسوية الأزمة السورية، وإن كان الطرفان يختلفان حول كيفية معالجتها.

3- الدعوة إلى تنمية الاستثمار التجاري، لاسيما بعد تراجع التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 43% في الأشهر الأولى من هذه السنة.

4- الاتفاق على محطة "أكويو" الكهروذرية، والاتفاق الأولي على مشروع "السيل التركي"؛ خط أنابيب الغاز "الطريق الثاني" إلى الدول الأوروبية بدلاً من الخط الأوكراني "السيل الجنوبي"، الذي كان من المفترض أن يمرّ من تحت مياه البحر الأسود عبر بلغاريا إلى جمهوريات البلقان والمجر والنمسا وإيطاليا، ما سيعيد ترسيم خريطة تزويد الطاقة في القارة الأوروبية، ومن المتوقّع أن يبلغ حجم ضخ الغاز الروسي في هذا الخط 63 مليار متر مكعب سنوياً، منها 47 مليار ستذهب للسوق الأوروبية، و16 ملياراً للاستهلاك التركي.

هذه العوامل مجتمعة ستعزز العلاقة الاستراتيجية بين روسيا وتركيا، وستجعلها أكثر مرونة من السابق في ملف الأزمة السورية، ويأتي كلام أردوغان أنه "مازال من المبكّر الحديث عن مشاركة الأسد في المرحلة الانتقالية" في هذا السياق، لأنه كان يدعو سابقاً إلى رحيل الأسد وإسقاط النظام، وستستفيد تركيا أيضاً من هذه العلاقة من أجل إيجاد توازن في العلاقة مع أميركا، يضمن لها حفظ مصالحها.