أسابيع مرت على اعلان ​روسيا​ عن نشرها طائرات قاذفة ثقيلة في قاعدة همدان الجوية في ايران، تزامناً مع تنسيق بين موسكو وطهران وبغداد لمرور صواريخ مجنحة روسية في أجواء البلدين. كل هذه الأحداث هدفها واحد وهو تغيير وجهة المعارك في سوريا لمصلحة المحور الروسي الايراني.

ظلت هذه الاتفاقات بين ايران وروسيا قيد المراقبة الغربية حتى أعلنت وزارة الدفاع الروسية منذ يومين تنفيذ طائرات من طراز "تو-22إم3" و"سو-34" غارات جوية على مواقع سورية انطلاقاً من مطار همدان في ايران، ما فتح تساؤلات جديدة حول مستقبل خارطة المعارك السياسية والعسكرية في سوريا.

تنطوي هذه الخطوة على رسائل وأبعاد جديدة تؤكد دخول الحرب في سوريا مرحلة جديدة، كانت الضربات الروسية من ايران بابها.

في هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي ال​إيران​ي ​حسن هاني زاده​، في حديث لـ"النشرة" أن "الضربة الجوية الروسية على أهداف في سوريا ضد المجموعات الارهابية ضمن الحلف الاستراتيجي الذي يجمعها مع ايران وسوريا والعراق هي نتيجة المشاورات والمفاوضات بين طهران وموسكو عقب الانقلاب الفاشل في تركيا".

ويربط زاده هذا التطور العسكري بالانقلاب التركي، لافتاً إلى أن "الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ادرك انه ضحية مؤامرة اقليمية ما دفعه لتغيير سياساته عبر الاقتراب من المحور الايراني الروسي عبر سوريا"، كاشفاً أن "زيارة وزير الخارجية الايراني ​محمد جواد ظريف​ لأنقرة وزيارة أردوغان لموسكو بحثت سبل ضرب المجموعات المسلحة في سوريا".

من جهته، يعتبر الخبير بالشؤون الروسية ورئيس تحرير وكالة انباء موسكو ​رائد جبر​ أن "تواجد الطائرات الروسية في مطار همدان يقلل من النفقات الروسية ويوسع من الخيارات الاستراتيجية"، مؤكداً أن "أبعاد هذا التواجد أوسع من كونها عسكرية خصوصاً وانه كان بامكان روسيا تنفيذ هذه الضربات من البحر".

وإذ يؤكد جبر "اننا أمام مشهد اقليمي جديد"، يوضح أن "هذا المشهد يعززه التقارب التركي الايراني الروسي الذي يظهر ملامح تشكيل محور جديد تجمعه مصالح مشتركة وليس تحالفاً بمفهومه المعتاد".

ميدانياً، تشكل هذه الضربة الروسية قفزة نوعية ستزيد الضغط على الارهابيين وستغير التموضع على الأرض في ظل ارتقاء مستوى العلاقات الاقليمية الحاصلة.

في هذا الصدد، يلفت زاده إلى أن "تركيا ستقوم باغلاق حدودها أمام المسلحين وستصبح في خندق واحد مع طهران"، مشيراً إلى أنه "بعد الهجوم على حلب سيكون هناك تغييرات على الواقع وعلى السياسات الاقليمية لمصلحة روسيا وايران". ويوافقه الرأي جبر، الذي يعتبر أن هذه الضربات ستغير الكثير في الميدان السوري، لافتاً إلى "وجود تشديد ايراني روسي على رفض اي عملية انفصالية على الأرض السورية وتأكيد على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية".

تطور الحرب الجوية على الإرهابيين فتح باب التساؤلات حول امكانية فتح قاعدة "انجرليك" الجوية التركية أمام الطائرات الحربية الروسية لمحاربة داعش. فهل ستتأثر أنقرة بالقرار الإيراني وتقدم مطاراتها للطائرات الروسية؟

يستبعد زاده هذا التطور، عازياً السبب للعلاقات التركية مع حلف شمال الأطلسي "الناتو" ولارتباط أنقرة بالأجندة الأميركية في المنطقة، مشيراً إلى أن "موسكو ستكتفي حالياً باستخدام مطارات ايران والعراق لدحر المجموعات الارهابية من الأراضي السورية".

أما جبر، فيشير إلى امكانية تقديم أنقرة لبعض التسهيلات الجوية للمقاتلات الروسية، مستدركاً بالقول "هذه المساعدات لن تشمل مطار انجرليك كونه مخصص لقوات الناتو التي سترفض طبعاً أي تواجد روسي فيه"، ومتسائلاً "إلى أي حد تركيا مستعدة لتوسيع الشرخ بينها وبين الناتو في سبيل التقارب من روسيا وايران".

تتسارع الأحداث الاقليمية بشكل غير متوقع، في ظل مفاجآت جديدة يطلقها المحور الايراني الروسي الذي بدأ يفرض سيطرته الكلية على المنطقة في ظل انشغال اميركا عن الوضع الاقليمي بسبب انتخاباتها الرئاسية. فهل تتبلور سبل الحل للأزمة السورية في الأشهر المقبلة؟