على وقع المعارك الدائرة على الأرض السورية في أكثر من جبهة، بالتزامن مع المشاورات القائمة على المستويين الدولي والإقليمي، للبحث عن حل سياسي للأزمة القائمة منذ 5 سنوات، وجّهت دمشق مؤخّرًا، رسالة بالغة الدقة وشديدة اللهجة، لم تقصد بها قوات "حماية الشعب الكردي" فقط، نظراً إلى أن أصداءها وصلت إلى العاصمة الأميركية واشنطن أيضاً، وهي لا يمكن أن تنحصر بمجرد إشتباكات محلية في ​مدينة الحسكة​، بين عناصر "الدفاع الوطني" و"الأسايش"(1).

هذه الإشتباكات ليست الأولى من نوعها، بل سبقتها أخرى في فترات متفرقة، إلا أنها تأتي في وقت تحقق "​قوات سوريا الديمقراطية​"، ذات الأغلبية الكردية، نجاحات على جبهات القتال مع تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث تمكنت مؤخراً من تحرير مدينة منبج، بدعم من طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، إلا أن هذه القوات لا تزال تواجه العراقيل على صعيد مشروعها السياسي، حيث تسعى إلى فرض فيدرالية في الشمال السوري تعارضها غالبية القوى الإقليمية، بالإضافة إلى دمشق التي تعتبر الأمر من الخطوط الحمراء التي لا يمكن القبول بها بأي شكل من الأشكال.

من هذا المنطلق، تقرأ مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، المواجهات المتكررة في الحسكة، حيث ترى أن ​الأكراد​ يريدون من خلالها القضاء على كافة مظاهر الدولة السورية فيها، نظراً إلى أن وجودها يعني إفشال المخططات التقسيمية التي يجري الإعداد لها، بالرغم من سعي كافة الأفرقاء الإقليميين والدوليين إلى التأكيد على رفضهم هذا الأمر، وتشدد على أن الإنشغال في مواجهة المجموعات المسلحة لا يعني سكوت دمشق عن أي محاولات لفرض مشاريع مناطق عازلة، أو تحويل الفيدرالية الكردية التي جرى الإعلان عنها قبل أشهر قليلة إلى أمر واقع.

وتشير هذه المصادر إلى أن بعض القيادات الكرديّة ترى الوقت مناسباً لتحقيق "الحلم"، لكنها تدرك أن هذا الأمر لا يمكن أن يحصل نتيجة مواقف القوى الإقليمية المختلفة منه، وتوضح أن الحكومة التركية ستجد نفسها إلى جانب نظيرتها السورية، رغم العداء الكبير بينهما، لإفشال هكذا مخطط، نظراً إلى أن التداعيات ستمتد إلى أراضيها، بل ربما تشمل الجمهورية الإسلامية في إيران أيضاً، وتضيف: "في السابق كانت كل الإشتباكات تنتهي بإتفاق هدنة أو وقف إطلاق نار، لكن إستخدام دمشق سلاح الجو هذه المرة كان رسالة واضحة بأنها لن تسكت عن أي تجاوزات جديدة".

من وجهة نظر هذه المصادر، الأمور باتت واضحة بشكل كامل، واشنطن تراهن على "قوات سوريا الديمقراطية" لتحقيق أهدافها، وهو ما يُفسر مسارعتها إلى وصف الغارة الجوية السورية على مواقع الأكراد في الحسكة بالعمل غير العادي، لعدم قدرتها على إستثمار باقي المجموعات المسلحة سياسياً بسبب إرتباطها بتنظيم "القاعدة"، وتشير إلى أنها تريد أن يكون ذلك تحت عنوان مكافحة الإرهاب، كما حصل في مدينة منبج، لكنها تشير إلى أن أنقرة لن تقبل الإستمرار بهذا العمل، وهو ما يفسر إصرارها على أن أي حل سياسي يجب أن يضمن وحدة الأراضي السوريّة، بالإضافة إلى منع حزب "الإتحاد الديمقراطي" من إنشاء كيان كردي على حدودها، وتسأل: "هل ستضحي الولايات المتحدة بعلاقاتها مع تركيا من أجل الأكراد؟"

على الجانب الآخر، عملت "قوات سوريا الديمقرطية" يوم أمس، بضغط من واشنطن على ما يبدو، إلى تسليم مواقعها العسكريّة في منبج إلى مجلس الأخيرة العسكري، كجزء من ضمانات قدّمتها واشنطن إلى أنقرة جرى الحديث عنها عند بدء المعركة في المدينة، مع العلم أن هذه القوات تتحضر لفتح جبهة جديدة في مدينة الباب، في وقت كانت فيه قوات "حماية الشعب الكردي" تتوعّد بالردّ على القصف السوري.

في هذا السياق، توضح مصادر كرديّة مطلعة، عبر "النشرة"، أن القصف السوري يخدم عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، الذين يخسرون المناطق التي يسيطرون عليها في المواجهات التي يخوضونها مع قوات "سوريا الديمقراطية"، لكنها تؤكّد أن الإشتباكات التي حصلت في مدينة الحسكة ليست الأولى من نوعها، بل هي باتت دوريّة بين الحين والآخر، وتنفي أيّ حديث عن تنسيق سابق كان يحصل بين الجانبين في المعارك، وتضيف: "ربما التنسيق الذي يتحدثون عنه هو مع المليشيات المدعومة من قبلهم".

وتشدّد هذه المصادر على أن الأكراد كانوا أول من رفع الصوت عالياً ضد الحكومة السوريّة، على عكس الإتهامات بالعمالة لها التي توجهها بعض قوى المعارضة المدعومة من تركيا، وتلفت إلى أن الإشتباكات الأخيرة سببها "تجاوزات" جديدة قامت بها القوات العسكرية السورية، بالرغم من إتهام الأخيرة القوات الكردية بالسعي إلى السيطرة على المدينة بشكل كامل، وترفض الحديث عن ارتباط بالسعي إلى فرض الفيدرالية كأمر واقع فقط.

في المحصلة، الخطوة التصعيدية التي قامت بها دمشق رسالة واضحة برفض المشاريع التقسيميّة على أراضيها، تتناغم بشكل غير مباشر مع الرسائل التي توجهها الحكومة التركيّة من وقت إلى آخر، فهل يختار الأكراد المواجهة أم التراجع؟

(1) كلمة "أسايش" تعني بلغة "الأكرد" الاستقرار وهي قوات الأمن الداخلي الكردية وتُعتبر شرطة أقليم كردستان، تقابلها قوات البشمركة التي تمثل الجيش الكردستاني.