أمس، أحيت حركة أمل الذكرى الثامنة والثلاثين لجريمة تغييب السيد ​موسى الصدر​ ورفيقيه. إلى ساحة البوابة في مدينة صور، عاد الصدر بعد 42 عاماً على وقفته يوم الأحد الخامس من أيار 1974، لإحياء ذكرى استشهاد السيدة فاطمة الزهراء.

سيراً على الأقدام، توجه إلى الساحة التي عُرفت لاحقاً بـ»ساحة القسم» نسبة إلى خطاب القسم الذي أداه الآلاف خلف إمام المحرومين، للعمل «حتى لا يبقى محروم واحد أو منطقة محرومة واحدة في لبنان». تحدث الصدر يومذاك عن الاستراتيجية الدفاعية لحماية الحدود الجنوبية من الاعتداءات الإسرائيلية، وعرض المشاريع الملحّة، من مشروع الليطاني والمدارس في جرود الهرمل وأبناء العشائر في عكار ووادي خالد والهرمل الذين لا يملكون هويات لبنانية. أقسم بوجه «من يفكرون أن الوطن يحفظ بالصالونات أو التصريحات أو بالوعود والاجتماعات في القصور وأن الكرامة تصان بالألقاب». قال: «اجتمعنا اليوم في صور. كل الناس في الشمس وأنا تحت الظل؟ مش معقول. اتركوه لغيري. اتركوا الراحة للتنابل والكسالى».

بعد 42 عاماً، تغير كل شيء في ساحة القسم. لم يبقَ على حاله سوى صوت الصدر في مدينته البحرية، مع المحرومين والمضطهدين. تمددت مساحة الساحة بعد أن ردمت حركة أمل جزءاً من الشاطئ خلال الحرب الأهلية. اتساع ساعد في استيعاب آلاف الأوفياء لذكرى الصدر، برغم أن الكثيرين منهم ولدوا بعد تغييبه بسنوات. حامل الأمانة الرئيس نبيه بري وصل إلى صور بالمروحية. خطب لساعة من خلف الزجاج العازل.

الاحتياطات الأمنية تجبره على الاحتماء بمئات العناصر الأمنيين الذين يفصلونه عن الجماهير. المحرومون كانوا تحت الشمس كما تركهم إمامهم. لكن بعضهم ترك نفسه لعفويته. كان يروح ويجيء ويضجّ ويهتف ويضحك ويتناول النرجيلة والبزورات ويشرب الشاي والقهوة أثناء إلقاء خطاب تجديد العهد والوفاء. ما دفع رئيسهم إلى قطع خطابه وتوجيه الملاحظات لهم.

العفوية يقابلها التزام تلقائي بإحياء المناسبة، ولا سيما عند الحركيين الجدد. كما في كل عام، يحيون أجواء ذكرى الجريمة، إلى أقصى الحدود. منذ أكثر من أسبوعين، تحوّل الجنوب إلى راية خضراء متصلة من أعمدة الإنارة إلى الشجر والجدران والجسور والأقواس المستحدثة. آلاف الرايات بثت لمعاناً في الليل على معظم طرقات الجنوب المظلمة. قبل أسبوعين، رُفع قوس على المسلكين الغربي والشرقي لأوتوستراد الغازية ــ الزهراني يحمل اسم «أوتوستراد الإمام الصدر، الزهراني ــ الناقورة». أمس، أقفلت مؤسسات رسمية في محافظتي الجنوب والنبطية في إطار إجراءات تنظيم حركة المشاركين. وفي إطار الإجراءات الأمنية، منع الجيش خروج زوارق الصيادين إلى البحر. كثير من المؤيدين أعلنوا أمس يوم عطلة لحساب إمام المحرومين.

في السنوات الأخيرة، باتت المناسبة الفرصة الوحيدة طوال العام التي تجمع الحركيين بمجملهم وتمنحهم حظوة رؤية حامل الأمانة شخصياً.

إحياء الذكرى لم ينته مساء أمس بانتهاء احتفال أمل. أهل القضية تفرقوا. عائلة الصدر التي عادت إلى صدر الحركة بعد سنوات من القطيعة، لم تجارها عائلتا رفيقيه، عباس بدر الدين والشيخ محمد يعقوب. جزء من آل بدر الدين التحقوا بركب نجل يعقوب، النائب السابق حسن يعقوب الذي أعلن الحرب على أداء بري في القضية. عكف على إحياء المناسبة بشكل مستقل في دارة العائلة في بدنايل. بعد شهر على إخلاء سبيله إثر توقيفه سبعة أشهر بتهمة خطف هنيبعل معمر القذافي في سوريا واستدراجه إلى لبنان، ضرب موعداً لاحتفال في الذكرى عصر السبت المقبل، من المنتظر أن يطلق خلاله خطاباً عالي السقف بعد اتهامه بري بالمسؤولية عن توقيفه.