كثيرون هم الذين طرحوا السؤال ولا يزالون "لماذا قرر التيار الوطني الحر في هذا التوقيت بالذات التصعيد السياسي والشعبي على خلفية التعيينات العسكرية، وقيادته تعرف جيداً أن توقيت هذا التصعيد ليس لصالحها لأن الغالبية الساحقة في مجلس الوزراء، ومن ضمنها وزيرا حزب الله، تريد التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، ما يجعل عملية التعيين من الأمور شبه المستحيلة؟"
أما الجواب، فلدى قيادة التيار نفسها، التي تنطلق في تكتّمها عن سبب توقيت التصعيد وأشكاله، من مقولة يرددها رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون دائماً في مجالسه الخاصة لا عبر وسائل الإعلام، مقولة " ثلاثة أمور لا يمكن أن أكشفها لخصومي، أولها نقاط قوتي وثانيها نقاط ضعفي، أما ثالثها فبماذا أفكر وما الذي أخططه للمرحلة المقبلة".
إذاً تكتّم التيار عن سرّ التصعيد لتعيين قائد جديد للجيش، له أسبابه وإعتباراته الخاصة، وإذا كان نواب التيار ووزراؤه يفضلون عدم الحديث عن هذه الإعتبارات، فالمقربون من "الجنرال" أي زواره يقولون الكثير عنها. وفي هذا السياق، تكشف شخصية مخضرمة في اللعبة السياسية وهي على تواصل أسبوعي مع العماد عون، أن الأخير إتخذ من مسألة التعيينات العسكرية ذريعة لقلب الطاولة الحكومية التي سئم من فشلها رأساً على عقب، وخير دليل على ذلك، المعلومات التي تفيد بأن حلفاء الرابية أبلغوها سابقاً بإستحالة تعيين قائد جديد للجيش في هذه المرحلة التي تشهد أشدّ كباش سياسي داخلي وإقليمي، لم يشهده لبنان من قبل، وعلى رغم هذا التبليغ، أكملت في تصعيدها، وقاطعت جلسة الحكومة مهدّدة باللجوء الى الشارع، وبالإنسحاب من طاولة الحوار وبمنع التمديد الثالث لمجلس النواب ولو جاء هذا المنع عن طريق إقفال الطرقات المؤدية الى مجلس النواب.
"لقد سئمت الرابية من حكومة تمام سلام غير المنتجة"، يقول أحد مخضرمي اللعبة السياسية وهو من زوار العماد عون الذين يتّكل على إستشاراتهم، "سئمت من إعطاء الغطاء المسيحي لحكومة لا تعطي المسيحيين شيئاً من حقوقهم، لا في موقع قيادة الجيش ولا في غيره من المواقع، وسئمت من حجم المناقصات والصفقات المشبوهة التي تبرمها تارةً في ملف النفايات الذي لا تنتهي فصوله والتي تكشف يوماً بعد يوم بأن الدور البطولي فيها محصور بالمقاول جهاد العرب، وتارةً أخرى في مناقصات وزارة الداخلية والبلديات، التي لا يمكن لأيّ شركة أن تفوز ولو بواحدة منها ما دام "سوبر ستار" المناقصات المقاول هشام عيتاني موجوداً على الطاولة، وهو الذي فاز بمناقصة جوازات السفر البيومترية، وبمناقصة رخص السوق ودفاتر السيارات ولوحاتها وبمناقصة الميكانيك العالقة بقرار مجلس شورى الدولة".
"نعم، لقد سئمت الرابية من حكومة تغطي موظفاً فاسداً ومتورطاً ومرتكباً بحجم مدير عام هيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف"، يقول صديق العماد عون. أما في السياسة، فالدافع الأساس الذي جعل قيادة التيار الوطني الحر مستعجلة على تفجير الطاولة الحكومية، فهي القناعة التي توصلت اليها بأن خصومها لا يريدون إعطاء المسيحيين شيئاً من حقوقهم، لا في رئاسة الجمهورية التي رشح المسيحيون الأكثر تمثيلاً اليها، ولا في قانون الإنتخاب، ولا في التعيينات العسكرية، ولا في الأجهزة الأمنيّة حيث لا يزال جهاز أمن الدولة منذ أشهر عدة معطلاً ومتروكاً لإعتبارات طائفية بحتة.
لكل ما تقدم، وعلى قاعدة "إذا ما كبرت ما بتصغر"، قرر العونيون التصعيد بوجه الحكومة ومكوّناتها، علّ ذلك يفتح لهم ولو ثغرة واحدة أكانت في الرئاسة الأولى أو في قانون الإنتخاب، بيت قصيد كل الأزمات السابقة واللاحقة.
