ما جرى على طاولة الحوار بين قادة الكتل النيابية في عين التينة امس، من شجار كلامي، خصوصاً بين رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل وبين زعيم تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، يعكس في مطاويه اسباباً أخرى غير تلك التي ظهرت في فلتان الألسن، بل في مضمون السجال.

السجال بين باسيل وفرنجية كان سجالاً غير مباشر بين المرشحين الرئاسيين المتنافسين رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون وفرنجية، لأنّ ما قاله باسيل يقوله عون شخصياً الى حد كبير، ذلك انّ الرجلين، اي عون وفرنجية، يتصرفان على اساس انّ السباق الرئاسي بات محصوراً بينهما فقط، وانّ فريقي 8 و14 آذار يتقاسمان ترشيحها، كل على طريقته، وبنسبة "حرزانة" من حجمه السياسي والنيابي المؤيد لهذا او ذاك، وفي هذه الحال لا يرى عون ولا فرنجية انّ هناك من ينافسهما على الحلبة الرئاسية حتى إشعار آخر، فكل منهما يتوقع ان تكون الرئاسة من نصيبه "في لحظة ما"، مع العلم انّ اي منهما لم يفكر بعد للحظة بالانسحاب للآخر كون انهما ينتميان الى فريق سياسي واحد،

بل يتمسك كل منهما بترشيحه حتى النهاية ايّاً كانت، في الوقت الذي يُمنّن فريق 14 آذار خصمه 8 آذار بأنه رشّح له شخصيتين كبيرتين لرئاسة الجمهورية من صفوفه، ويأخذ عليه انه لم يتفق بعد على احدهما ليتم انتخابه، الى درجة انّ فريق 14 آذار يذهب احياناً الى الايحاء بأن "لا مشكلة" لديه في انتخاب اي من الرجلين. فيما الفريق الآخر كان ولا يزال يشكّك في صدقية الترشيح وبعض اركانه يجد فيه "مناورة" لتمرير مرحلة ليس إلّا.

في هذا السياق إنّ ما حصل على طاولة الحوار، حسب أحد السياسيين المطلعين، يشكّل "النهاية" لترشيح كل من عون وفرنجية، فالاول يتصرف على اساس انه لم يعد لديه الوقت الكافي لضمان انتخابه، لأنّ "ديلاً" ما سيحصل قبَيل الانتخابات الرئاسية الاميركية مطلع تشرين الثاني المقبل لن يكون له مكان فيه ولا لفرنجية، وإنما لرئيس توافقي من خارج نادي المرشحين الاربعة الاقوياء، ولذلك لجأ عون الى التصعيد اخيراً بمقاطعة جلسات مجلس الوزراء وتابعه بالسجال حول "ميثاقية" الحوار وغيره، لعلّه يتمكن من استيلاد ظروف تفرض انتخابه.

ويستند عون في اندفاعه الرئاسي الى اقتناع تَكوّن لديه في الآونة الاخيرة ومفاده انّ الاميركيين، وعلى رغم انشغالهم بإستحقاقهم الرئاسي، لن يتركوا لبنان ينهار سياسياً واقتصادياً، وحتى أمنياً، قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية بسبب عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وانه طالما انّ معالجة الازمات الاقليمية ستطول فإنّ واشنطن لن تتردد في الدفع لانجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني لمنع لبنان من الانهيار وانما في لحظة لم تعد بعيدة ستبادر في اتجاه كل من طهران او الرياض لإقناعهما بتسهيل هذا الامر قبل الانتخابات الاميركية واذا تعذّر عليها ذلك ستدفع الى انتخاب رئيس توافقي، وفي هذه الحال تضيع فرص عون وفرنجية معاً.

لكن ما يقلق عون وفرنجية في آن معاً انهما يشعران انّ الخيارات الاميركية ربما تكون تَخطّتهما الى "الرئيس التوافقي" لأنّ اياً منهما لم يتمكن من نيل التوافق الداخلي الجامع او شبه الجامع الذي يؤمن انتخابه، ولذلك لم يجدا سبيلاً سوى رفع الصوت والتصعيد لعلّ الاميركي يتحرك في اتجاه الرياض وطهران لتحريك مياه الاستحقاق الرئاسي الراكدة.

فعون اختار "الميثاقية" مادة لتصعيد حملته السياسية ـ الانتخابية وبلغ به الأمر حدّ الاعلان عن مقاطعة الحوار بذريعة عدم "ميثاقيته"، فتصدى له فرنجية رافضاً ان يلغيه أحد بعنوان "الميثاقية" وغيرها، فرفع نبرته وذهب الى اعلان استعداده السير في انتخاب اي شخصية لرئاسة الجمهورية تحظى بتوافق جامع، وطبعاً هذه الشخصية ليست عون.

وفي رأي بعض المتابعين فإنّ ما حصل بين فرنجية وباسيل على طاولة الحوار أحرجَ حزب الله الى حد كبير، كذلك احرجَ الى حد ما رئيس مجلس النواب نبيه بري مدير الحوار وراعيه، لأنه اظهر وجود خلاف كبير داخل فريق 8 آذار لم يعد يمكّنه من الحديث عن أنّ 14 آذار قد تفككت، بل انّ هذا الخلاف بين أبناء الصف الواحد على ترشيح عون وفرنجية يطرح سؤالاً عمّا تبقى من فريق 8 آذار نفسه.

وفي هذا السياق، تمتم احد المتحاورين من 14 آذار في أذن احد نظرائه على الطاولة: "اذا كان أطراف فريق 8 آذار غير قادرين على الاتفاق على ترشيح عون او فرنجية، فكيف يُمكن الرئيس سعد الحريري تبنّي ترشيح أي منهما عملياً؟

الى أين من هنا؟

بين المتحاورين من يجيب معتقداً وجازماً بأنّ الاميركيين "لن يتركوا لبنان بلا رئيس حتى السنة المقبلة، لأنّ هذا البلد بات لا يتحمّل البقاء على هذه الحال سنة اضافية".

وفي هذا السياق، يخطر لأحد المتابعين سيناريو مفاده انّ وزير الخارجية الاميركي جون كيري "سيبادر قريباً" الى الاتصال بنظيره الايراني محمد جواد ظريف ويعرض عليه ان تدعم ايران دعم ترشيح هذا او ذاك من المرشحين لاستنقاذ لبنان من اخطار اقتصادية وغيرها تهدده اذا تأخر انتخاب رئيس له اكثر فأكثر. او ان يبادر كيري الى الاتصال بوَلي وَلي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان للغاية نفسها.

ويشير البعض في هذا المجال الى انّ هذا السيناريو تتداوله بعض اوساط "التيار الوطني الحر"، ولكن من زاوية انّ كيري "سيطلب من ظريف او من الامير محمد بن سلمان دعم انتخاب عون من دون سواه". لكن حتى الآن ليست هناك اي مؤشرات ملموسة في هذا الاتجاه، وانّ الامر مجرّد تكهنات ترقى الى مستوى توقعات يمكن ان تصح، او لا تصح.