يشترك الروس والأميركيون مع السياسيين اللبنانيين هذه الأيام في أمرٍ واحد. هم يعرفون أن حوارهم الدولي تماماً كحوار "عين التينة" لن يؤدي إلى شيء. فهو يشبه مداواة السرطان بحبوب الأسبيرين.

إنّ جوهر الخلافات بين موسكو وواشنطن بما فيه سوريا ليس قابلاً للحل في المدى المنظور. تماماً كما أنّ أسباب الخلافات اللبنانية بما فيها رئاسة الجمهورية وسلاح "حزب الله" ليست مرشحة لأيّ انفراج قريب.

ماذا أولاً عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك اوباما؟

منذ اندلاع أولى شرارات الحرب السورية قبل 6 سنوات، تبين أنّ الهدف الأطلسي هو القضاء على محور المقاومة وتطويق ايران واستنزاف ​روسيا​ وتحويل حزب الله من أهم حزب انتصر على أسوأ كيان الى منظمة إرهابية... من يقرأ مذكرات الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ورئيس الحكومة البريطانية السابق ​طوني بلير​ والرئيس الفرنسي السابق ​جاك شيراك​ يدرك أنّ ما كان يسمى بـ"الهلال الشيعي" من ايران الى حزب الله مرورا بسوريا ينبغي القضاء عليه...

لم يكن الامر محصورا بهذا. فمنذ الخطاب الشهير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر الأمن والسلام الدولي في ميونيخ عام 2008، فهمت الإدارة الأميركية أنها أمام رئيس يريد إعادة مجد روسيا ويسعى لفرض منطق جديد تسوده العدالة وتعدد الأقطاب في العالم.

جاءت أزمة ​أوكرانيا​ وسوريا لتشكلا ساحة ضغط أطلسية على بوتين. كان العالم منذ عام 2008 قد دخل أزمة ماليّة قاربت حدود الكارثة وبرزت قوى جديدة على مستواه تهدِّد الزعامة الإقتصادية الأميركية؛ كان في مقدّمة هذه القوى جمهورية الصين التي تخطى احتياطها الميزانية الأميركية، علمًا أنّ بكين تملك أكبر إحتياطي دولار في العالم. التنافس إذاً بين أميركا من جهة وروسيا والصين ودول البريكس من جهة ثانية من أوكرانيا إلى بحر الصين إلى المحيط الهادئ أكبر وأخطر من أن يحلّه تفاهم مجتزأ وموقت حول الشمال السوري.

كل ما في الأمر إذاً الآن تمرير مرحلة بأقل خسائر ممكنة لأوباما قبل الإدارة الأميركية المقبلة.

ماذا ثانياً عن الحوار اللبناني؟

يُدرك رئيس مجلس النوّاب نبيه بري أن الخلافات بين مَن يجتمعون حول طاولته أخطر وأعمق من أن تُحلّ محلياً؛ ثمة طرف في لبنان يدور في الفلك الأميركي-السعودي يحلم منذ العام 2006 وفقَ ما برهنت وثائق ويكيليكس، ومنذ اغتيال رئيس الحكومة السابق ​رفيق الحريري​ ثم بعد اندلاع الحرب في سوريا وعليها، بإنهاء أسطورة حزب الله. أما وقد برهن الحزب انه ليس فقط لم يُهزم، ولكن تحول أيضا كما قال أمينه العام السيد حسن نصرالله الى قوة إقليمية، فان الطرف اللبناني الآنف الذكر يشعر بحاجته إلى التفاهم مع الحزب لتمرير اي تفاهم سياسي في لبنان، من رئاسة الجمهورية الى رئاسة الحكومة الى قانون الانتخاب وغيرها من الملفات المفصلية.

مشكلة هذا الفريق تماما كمشكلة اوباما؛ أنّه يريد تمرير الوقت بأقل خسائر ممكنة بانتظار الادارة الأميركية المقبلة. وَهم جديد يضاف الى كل الأوهام التي سقطت سابقا، وما على اللبنانيين بالتالي الا انتظار اتّضاح الصورة من سوريا الى موسكو وواشنطن كي يتفقوا...

هذه الحوارات اذا تستحق بجدارة لقب: المهزلة...