على ما يبدو ستكون ​مدينة الباب​ في الشمال السوري، التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، على موعد مع معركة قاسية في الأيام المقبلة، نظراً إلى التداخل في موازين القوى العسكرية الذي يطغى على المشهد، لا سيما بعد سيطرة فصائل ما يسمى "​الجيش السوري​ الحر" على الشريط الحدودي مع تركيا، الممتد من ​جرابلس​ إلى ​أعزاز​، بالتزامن مع تحضير "​قوات سوريا الديمقراطية​" نفسها لخوض هذه المعركة، ما قد يؤدي إلى تأجيلها بعض الوقت، لحين ترتيب المشهد من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي تدعم الجانبين، لكن في الجهة المقابلة هناك الجيش السوري الذي لا يبعد كثيراً عن أبواب المدينة، لا بل هو الأقرب إليها من حيث المسافة.

من حيث المبدأ، تحرك أي من الأكراد أو الأتراك يجب أن يحظى بضوء أخضر أميركي واضح، بسبب عدم قدرة أي فريق على البدء بعملية عسكرية باتجاهها من دون الغطاء الجوي الذي تؤمنه طائرات التحالف الدولي، إلا أن هذه المعضلة ليست بالسهولة التي قد يتخيلها البعض، فقوات "سوريا الديمقراطية" تصر على أن تخوض معركة الباب بنفسها، في حين ترفض أنقرة وجود هذه القوات في المناطق الواقعة غرب الفرات، وهي لم تتردد في التدخل المباشر لتحقيق هذا الهدف، فمن ستدعم في الباب بعد أن وجدت صعوبة بالوصول إلى إتفاق هدنة بين حلفائها؟

في هذا السياق، يشير مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان ​رامي عبد الرحمن​، في حديث لـ"النشرة"، إلى إجتماع مبعوث الرئيس الأميركي الخاص للتحالف الدولي ​بري ماكغورك​ مع قيادات سياسية وعسكرية كردية وعربية في مقاطعتي كوباني والجزيرة، حيث يؤكد أن هذا المسؤول أبلغ تلك القيادات بأن سياسة بلاده لم تتغيّر تجاه "قوات سوريا الديمقراطيّة"، التي تشكّل وحدات حماية الشعب الكردية أبرز فصائلها، وبالتالي هي سوف تستمر في تقديم الدعم لها، لكنه يوضح أن واشنطن لا تريد أيضاً حصول أي صدام مع الجانب التركي، الذي يحضر لمعركة الباب، بعد نجاح القوات المدعومة من قبله بالسيطرة على الشريط الحدودي.

من وجهة نظر عبد الرحمن، مصير هذه المعركة متوقف على الترتيبات الأميركية الروسية، حيث من المفترض أن تنطلق بعد توافق بين القوتين العظمتين، ويلفت إلى أن الأتراك والأكراد ليسوا وحدهم الراغبين بالسيطرة عليها، بل هناك أيضاً الجيش السوري، بالرغم من غياب المعطيات التي توحي برغبته بالدخول في هذه المواجهة حتى الآن، ويرى أن هذا الواقع يوحي بوجود إتفاق على تقسيم مناطق النفوذ، غير معلن، بين مختلف الأفرقاء، لكنه ينفي موافقة الأكراد أو الطلب منهم من جانب الولايات المتحدة الذهاب نحو ​معركة الرقة​، حيث يؤكد أنهم لا يريدون أن يكونوا رأس حربة في المعارك فقط.

إنطلاقاً من هذا الواقع، يجدد مستشار الرئاسة المشتركة لحزب "​الاتحاد الديمقراطي الكردي​" ​سيهانوك ديبو​، في حديث لـ"النشرة"، التأكيد بأن هدف "قوات سوريا الديمقراطية" هو القضاء على أي وجود لـ"داعش"، بعد أن أثبتت أنها القوة الأكثر قدرة على الفعالية في هذا المجال، ويشير إلى أن طرد التنظيم من الباب مرهون بالظروف والإعدادات العسكرية، لكنه يوضح أن تشكيل مجلسها العسكري مؤشر على أن تحريرها هو هدف لهذه القوات.

وفي حين يشدد ديبو على الأهمية الخاصة لهذه المدينة، لا سيما على صعيد قطع الإمدادات عن "داعش"، يعرب عن إعتقاده بأن الولايات المتحدة لن تمانع توجه "قوات سوريا الديمقراطية" إليها، مع العلم أن هذه القوات ترفض التدخل التركي، وتعتبره إحتلالاً.

من جانبه، يشرح رئيس المعهد التركي العربي للدراسات الإستراتيجية ​ابراهيم بوعزي​، في حديث لـ"النشرة"، أن جميع المسؤولين في أنقرة يشددون على أن عملية "درع الفرات" سوف تستمر حتى "تطهير" المنطقة من التنظيمات الإرهابية، من دون تحديد لا زمان ولا مكان لها في الوقت الحالي، ويشير إلى أن الموقف واضح من "قوات سوريا الديمقراطية"، التي لا يمكن القبول بدخولها إلى غرب الفرات بأي شكل من الأشكال، لا سيما أن لا علاقة للأكراد بهذه المنطقة، بالرغم من وجود أقلية لهم فيها، ويضيف: "في هذه المنطقة تركمان هم إمتداد حضاري لأنقرة، بالإضافة إلى العرب الذين يشكلون الأغلبية".

بالنسبة إلى الموقف الأميركي، يلفت بوعزي إلى أن واشنطن وعدت بانسحاب الأكراد إلى شرق الفرات، لكن على أرض الواقع هذا لم يحصل، الأمر الذي دفع تركيا لدخول غرب الفرات، ويعتبر أن الولايات المتحدة تعتمد سياسة المماطلة وتساوم في الوقت عينه، إلا أنه يؤكد أنها بين خيارين لا ثالث لهما: التحالف مع تركيا أو مع حزب "الإتحاد الديمقراطي"، ويتوقع أن يؤمن التحالف الدولي الغطاء الجوي لمعركة الباب، التي ستدخلها تركيا لأن فصائل "الجيش السوري الحر" تحتاج إلى دعمها، لكنه يشدد على أن المواجهة التي ستفرض السيناريو الخاص بها، لا سيما إذا ما أصر الأكراد على الذهاب إلى المدينة.

في المحصلة، تشكل معركة طرد "داعش" من الباب أهمية خاصة، حيث سيرسم على أساسها المشهد في الشمال السوري، لكن السؤال يبقى عن هوية الجهة التي ستدخل إليها، وحول قدرة واشنطن على التنسيق بين حلفائها لمنع وقوع الصدام.