توترت العلاقات السياسية بين إيران وتركيا بسبب الازمة السورية التي بدأت منذ العام 2011، فحملت تركيا راية إسقاط النظام في سورية، وكانت طرفاً أساسياً في دعم الحركات التكفيرية، من "داعش" و"النصرة"، وتبنّت حركة "أحرار الشام"؛ الجناح العسكري لـ"الإخوان المسلمين" في سورية.

تزامن ذلك مع خسارة تركيا الحكم في مصر، بعد انتفاضة السيسي ضد "الإخوان المسلمين" وإدانتهم بالإرهاب، فأكملت مشروعها في مواجهة النظام السوري، ظناً منها أنها قادرة على إسقاطه خلال فترة قصيرة، لكن حسابات أردوغان لم تتطابق مع الواقع، ورغم ذلك دخلت تركيا في عمق الأزمة السورية، ما سبّب لها توتراً في العلاقات مع روسيا وإيران، واتهام أردوغان لها بأنها "تسعى لإشعال المنطقة، من خلال تحويلها الخلافات المذهبية إلى صراع، وتتعمد توتير علاقاتها مع السعودية ودول الخليج، وتستغل التطورات في اليمن والعراق وسورية لتوسيع نفوذها في المنطقة".. لم تلجأ إيران إلى مقاطعة تركيا، رغم انزعاجها من مواقفها السياسية ودعمها للإرهاب التكفيري، الذي يشكّل خطراً كبيراً على العالم، بل استمرت في التبادل التجاري معها، والذي بلغ عشرة مليارت دولار في العام 2015،، وسعى أردوغان إلى زيادة عامل الاستثمار بين البلدين إلى 30 مليار دولار سنوياً، رغم وصول الخلاف حول الموضوع السوري إلى أشده.

هنا نتساءل: لمَ لمْ تنعكس الأزمة السياسية بين تركيا وإيران على الموضوع الاقتصادي؟ قد يقول بعضهم إن دافع إيران هو حاجتها إلى السوق التركي لبيع النفط (80% من حاجاتها النفطية مستوردة من إيران) ومرور نفط إيران عبر تركيا إلى أوروبا، لكن الواقع يؤكد أن إيران لم تَبنِ مواقفها السياسية من تركيا على قاعدة مصالحها الاقتصادية معها، بل على المبادئ، وهذا ما برز في موقفها من "إسرائيل" وكيفية تعاملها مع أميركا، فتحمّلت خطر الحرب عليها والحصار الاقتصادي، وبما أن "حزب العدالة والتنمية" المتصدي للحكم حركة إسلامية معتدلة، فالعلاقة معه مستمرة، لأنه البديل عن الحركات التكفيرية والإرهابية التي تعمل على تمزيق الأمة.

تلمّست تركيا حرص إيران على التعاون مع الحركات الإسلامية المعتدلة في مواجهة التكفيريين (صنيعة أميركا)، وذلك من خلال وقوفها إلى جانبها ضد الانقلاب العسكري الفاشل، وقد شكر جاويش أوغلو إيران "حكومة وشعباً على وقوفهم إلى جانب تركيا ضد محاولة الانقلاب الفاشلة"، فاندفعت تركيا باتجاه التجاوب مع الانفتاح الإيراني عليها، وتكثّفت الزيارات بينهما، واتفقتا على إبقاء اللقاءات السياسية مستمرة، وكذلك الأمنية، فيما خصّ الأزمة السورية، والتي جرى التداول فيها بحسب مصادر مطلعة بالمشكلة الكردية عموماً، من خلال طلب تركيا من إيران مساعدتها في عدم إقامة الفدرالية في سورية، وطلب إيران أن تكون مناقشة الملف الكردي على قاعدة ما هو ممنوع على أكراد سورية ممنوع على أكراد العراق، وبما أن استقلال أكراد سورية مرفوض، فإن استقلال البشمركة في العراق مرفوض كذلك، لأن التقسيم مرفوض في كل من سورية والعراق، والأفكار التي قد تساعد كذلك في تقريب وجهات النظر في ملف التسوية في سورية، ففي الوقت الذي ترى فيه إيران أنه لا مكان للتسوية من دون الرئيس بشار الأسد، ترى تركيا أنه من مقتضياتها رحيل بشار الأسد، مع مفارقة جديدة نشأت عند تركيا بعد التقارب مع روسيا وايران؛ أنها لم تعد تطالب باستبعاد الأسد في المرحلة الانتقالية، إلا أنه ينبغي ألا يكون له أي دور في مستقبل البلاد، حسب كلام يلدريم، أما فيما خصّ تمثيل تركيا في سورية إذا ما تمّت التسوية، فيمكن إيجاد قواسم مشتركة مع إيران على قاعدة سورية الموحَّدة، وعدم وجود دولة كردية، وهذا ما يناسب تركيا لمكتسب مهم بعد التطورات التي حصلت في سورية.