تنقسم الآراء حول المواقف التي يتخذها النائب العماد ميشال عون إنْ عبر تكتل التغيير والاصلاح، او عبر التيار الوطني الحر. وبين مؤيد ومعارض، يبقى صمت عون هو الأبلغ في هذه المرحلة، علماً انه معروف عنه سرعة انفعاله للردّ على كل ما يتعلق به وبتياره وبمواقفه.

في القراءة العامة، يبدو أن عون أصيب بخيبات متكررة في السياسة وخصوصاً في مواضيع التعيينات الأمنيّة ورئاسة الجمهوريّة، وحتى ميدانياً، يأخذ عليه الكثيرون أنّه خسر قسماً لا بأس به من مؤيديه ومناصريه لصالح القوات اللبنانية التي استفادت اكثر منه في خطوة المصالحة.

جواب عون الوحيد يبقى الصمت والتسلّح بوجود "حزب الله" الى جانبه في الامور الأساسية ولو اختلفت المقاربة بينهما بشأن بعض التفاصيل، لكن المعادلة القائمة بينهما هي: وحدة المسار والمصير. صمت عون ليس مجانياً، ويعتبر كثيرون أنّه بات اليوم يستعمل "الخرطوشة الأخيرة" التي يملكها، فهو انطلق في مواقفه السابقة من دعوتين: الإنتخابات المباشرة من الشعب، او عقد مؤتمر تأسيسي. اليوم، وصلنا الى نقطة باتت فيها الأمور أقرب الى هذا التوجه، ومن المنصف القول أنّ التصعيد الأخير الذي قام به الجنرال أتى ضمن هذا السياق، فهو اختار اللحظة التي رآها مناسبة من أجل لعب هذه الورقة التصعيدية، فتسارعت المواقف وعادت الحركة الى الاتصالات واللقاءات بوتيرة أسرع بكثير مما كانت عليه.

وفي رأي متابعين للحركة السياسيّة، فإنّ عون يرى أنه سيكون الرابح بعد انكشاف غبار هذه الأزمة، لأنه أصلاً لم يعد لديه ما يخسره، لأنّ المراوحة لا تصبّ في صالحه ولا تؤمّن هدفه أو أهدافه، لذلك بقي أمامه حلاّن: إما أن يأتي رئيساً للجمهورية، وإما أنْ يصبح السبب المباشر لانعقاد مؤتمر تأسيسي (او أي مسمّى آخر للقاء الزعماء والمسؤولين اللبنانيين برعاية اقليمية-دولية) يعيد ترتيب الأمور على الساحة، ويعطي المسيحيين دوراً أكبر من الدور الحالي. ولكن، ما الذي سيربحه عون من هذا المؤتمر في حال انعقد بعد أن يكون خسر الرئاسة؟

يعتبر المتابعون ان رئيس تكتل التغيير والإصلاح يرى من خلال هذه الخطوة، أنه سيكون قد كرّس نفسه مرجعية أساسية في الشأن اللبناني، وسينعكس ذلك إحاطة شعبية أكبر بكثير تجعله، وبالقوة الشعبية، محطّة إلزامية لجميع المسؤولين قبل اتخاذ أيّ قرار على الصعيد العام. ومن البديهي أنْ تترافق هذه الخطوة مع سيطرة أشمل على مقاعد نيابية، وفي ظل التحالفات التي نسجها عون مع الحزب والقوات، فسيغدو قوّة عمليّة سياسيّة لا يمكن تخطّيها، وبمثابة "عرّاب" صورة لبنان الجديدة في ظل الواقع الذي ستشهده منطقة الشرق الاوسط بعد التسوية الشاملة.

هذا التفسير الذي يطرحه المتابعون، والذي قد يصح أم لا، يشرح بعض الاسباب التي تدفع بعون الى اعتماد الطريق الذي سار فيه حتى الآن-والذي اثار استغراب الجميع بمن فيهم مؤيدوه ومناصروه- في وضع يصفه معارضو عون أنّه حرج جداً بالنسبة إليه، إنْ من ناحية تقدمّه بالسن، او لناحية المشاكل التي برزت في التيّار الوطني الحرّْ التي أدّت الى انشقاقات كبيرة في صفوفه.

إنها "الخرطوشة الاخيرة" ولكنها رهان يبقى خطيراً، لأنّ أيّ اهتزاز غير متوقّع على الصعيد الدولي في الخطّة السياسيةّ التي يعمل بِهَدْيِها عون، ستكون "كارثية" بالنسبة إليه وقد تطيح بكل الخطط الموضوعة، وتعيده الى الوراء بدل دفعه الى الأمام. هو رهان يعتمد على استمرار الصراع بين السعودية وايران، وعلى عدم قدرة رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري على التحرك بحرية، وعلى دعم من حزب الله في المفاصل الأساسية للصراع، وعلى تحوّل لدى الشارع اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً، فمتى تكشف الاوراق وتحين لحظة الحقيقة؟