بعد انتهاء حمّى الانتخابات البلدية، بدأت الحالة التي شكلها وزير العدل المستقيل اللواء ​أشرف ريفي​ تنحسر تدريجاً، ومع تسارع تطور الاحداث في لبنان والمنطقة وخصوصاً على الساحة السورية، كان لا بد من العودة من البوابة الطرابلسية للوزير الذي بات يطلق على وضعه في الحكومة "معلّق ومطلّق"، وبالتحديد بعد ان قال انه من الممكن ان يعود الى الحكومة عندما يُطرح موضوع حل حزب "العربي الديمقراطي" وحركة "التوحيد الاسلامي-فرع ​هاشم منقارة​".

عاد ريفي الى الساحة، وعودته كانت مدروسة لأن غيابه لم يكن عمليًّا، بل ميدانياً، ففترة الركود على ساحة الحركات المتطرفة "مادته الدسمة" تتراجع. الخطوة الاولى اللافتة التي قام بها تمثلت بالاتصال بوزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ لتهنئته على قراره طرح حل الحزب والحركة المذكورين على طاولة مجلس الوزراء. قد يعتبر البعض ان الاتصال امر عابر، ولكنه يحمل مغزى اكبر عندما يأتي من ريفي الى المشنوق، لان الاثنين لا ينسجمان في الحقل السياسي في الفترة الاخيرة.

الاتصال جاء ليؤكد ان ريفي يضع مصلحة المسلمين وطرابلس قبل اي شيء، وانه مستعد لكسر كل الجليد مع اي كان لتحقيق هذه المصلحة. بالطبع لن يؤدي الاتصال الى اعادة الامور الى مجاريها بين الاثنين، لان اسباب الصراع بينهما لا تزال موجودة، ولكن من شأنه ان يسجل نقاطاً اضافية لصالح ريفي الذي اراد ان يظهر على انه رجل سياسي يعرف متى يبقي على العلاقات قائمة ولو بحدها الادنى، دون ان ينسف الجسور.

اما في قضية الشيخ ​بسام الطراس​، فالوضع كان مختلفاً، لان الاثنين ارادا ان يقطفا هذه الثمرة، فكان حديث غير رسمي عن ارسال قاض (نُسب الى كل وزير منهما ارساله)، من اجل حل القضية. هذا الموقف من شأنه ايضاً رفع نسبة شعبية كل منهما في الشارع الاسلامي، لكن ثمنه "سوء تفاهم" قد لا يكبر بطبيعة الحال مع الامن العام ومديره اللواء عباس ابراهيم، وتشكيك اضافي بالقضاء واستقلاليته.

يدرك ريفي ان لعبة شد الحبال بينه والمشنوق قوية، فالاخير نجح في نسج شبكة اتصالات مع العديد من المجتمعات والفئات والاحزاب، وهو امر يضعه في مرتبة متقدمة عنه. أمّا رد الأوّل على هذه الخطوة كان المزيد من التعلق بالشارع المسلم السنّي، والايحاء له انه قادر على تمثيله في زمن المواجهة كما في زمن التسوية. هذا التمسك من شأنه ان يقوّي عضد ريفي في طرابلس، ولكن ليس من الضروري ان يمتد الى خارجها، فقراءته السياسية تشير الى انه يبتعد عن المسار الذي باتت الامور تتخذه في المنطقة بشكل عام، وهو مسار التسويات الذي سيخفت فيه الغليان السياسي والعسكري والامني. ومن البديهي ان يتراجع التجييش الديني بدوره، ولو ان بوادره حالياً لا تفيد بذلك.

وفي مقابل تمسك ريفي بشعبيته السنّية في طرابلس، تراه يتمسك اكثر واكثر بمقعده الوزاري في الحكومة رغم كل ما يقال عن استقالته وابتعاده عن هذا المنصب، فهو لا يزال يزاول نشاطه العادي ويلتقي المسؤولين والمعنيين بصفته الوزارية، وليس في وارد التخلي عنها وابرز دليل على ذلك تلميحه الى امكان العودة اليها من اجل موضوع ​الحزب العربي الديمقراطي​ وتيار التوحيد. مكاسب ريفي من البقاء في الحكومة اكبر بكثير من تركها، لانه يعلم تمام العلم ان عودته اليها مجدداً لن تكون بهذه السهولة، وقد يجد نفسه مطلقاً دون القدرة على ان يبقى معلّقاً، في ظل الهجمة الشرسة عليه من داخل تيار المستقبل، واثارته حفيظة الكثير من المسؤولين والزعماء السنّة بسبب ما قام به واظهارهم بانهم غير قادرين على تولي المسؤولية بالفعالية التي يقوم بها. والخطوة الاكثر خطورة التي قام بها في هذا المجال، هي انه بات يزرع الشك حول العلاقة بين هؤلاء، على غرار ما قاله عن رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ والوزير السابق ​محمد الصفدي​.