لا تُعتبَر قضية النزوح السوري الى لبنان من الأمور التي يمكن أن تمرّ مرور الكرام، فهذه القضية تشكّل منذ بدء الأزمة السورية وتوافد السوريين الى لبنان بأعداد هائلة عبئاً أثقل كاهل لبنان. سنوات مرّت ولا اجراءات جديّة للحدّ من هذا النزوح، والأخطر اليوم ما يناقش في أروقة الامم المتحدة والمجتمع الدولي عن رغبة في توطين هؤلاء في مكان تواجدهم!

ليست قضية ​التوطين​ بالعابرة بل هي أصبحت واقعاً لا يمكن الهروب منه خصوصاً وأن الدول المانحة تؤكد عند كل استحقاق أن هؤلاء يجب أن يبقوا في الوقت الراهن في اماكن تواجدهم. هذا ما يؤكده المحلل السياسي ​خليل فليحان​، لافتاً الى أن "لا حل لهذه المشكلة التي طرأت على لبنان"، ومشيرا الى أن "المجتمع الدولي يعطي المساعدات للدول التي تستقبل النازحين ولكن شرط بقائهم فيها"، ويشدد على أننا "أمام خطر حقيقي في هذا المجال خصوصاً وأن الولادات السورية في لبنان لا تسجل في السفارة تحت حجة أن هؤلاء يخافون من التوجه الى تلك المنطقة". بدوره، يرى المحلل السياسي ​سركيس أبو زيد​ أن "هناك خطورة في اعتماد عبارة لاجئ إذا ما اعتمدت دولياً فهي تعطي للنازح السوري حقوق العمل والاقامة والسكن وبالتالي يصبح وضع اللاجئ السوري شبيهاً بالمواطن الفلسطيني"، لافتاً الى أن "هناك فرقاً بين التجنيس الذي يجعل المجنَّس مواطناً كأي لبناني والتوطين الذي يعطي اللاجئ حقوقاً معيّنة".

بين التوطين والتجنيس يتوجه رئيس الحكومة ​تمام سلام​ ومعه وزير الخارجية ​جبران باسيل​ الى الامم المتحدة لمناقشة هذا الملف. وهنا يشير فليحان الى أن "باسيل طرح حلاً يقضي بالتواصل مع الدولة السورية من أحل تأمين عودة جزء من هؤلاء الى المناطق الآمنة في سوريا، أما رئيس الحكومة تمام سلام وعبر وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس فيشدّد على أن لبنان لا يزال يعتمد سياسة النأي بالنفس وبالتالي لا يمكن للبنان أن يتواصل مباشرة مع سوريا وحتى ولو في ملف بهذا الحجم". وفي هذا السياق يعتبر أبو زيد أنه "ورغم كلّ شيء يبقى الموقف اللبناني موحداً في هذا الملف ولكن كل فريق يحاول أن يرفع النبرة من باب كسب جمهوره إذ لا أحد يقول علناً في لبنان إنه مع التوطين".

يرى أبو زيد أنه "يجب الاستفادة من الهدنة في سوريا من أجل تسهيل عملية عودة النازحين السوريين الى الاماكن الآمنة في سوريا"، ومشدداً على وجوب "توحيد الموقف اللبناني في هذا الملف خصوصاً وأن هذا الموضوع يعدّ أولوية بالنسبة للبنان". في المقابل يؤكد فليحان أن "الحكومة اللبنانية اقترحت اعادة اللاجئين السوريين الى المناطق الامنة في سوريا ولكن دولياً لم تتم الموافقة على هذا الاقتراح تحت قاعدة ايقاف المساعدات بحجة أن لا أمن في سوريا".

في المحصلة يتخبّط لبنان بأزمة النزوح السوري التي أثقلت كاهله بعدما رتّبت أعباءً اقتصادية واجتماعية كبيرة ليبقى السؤال: هل سينجح لبنان في ردّ شبح التوطين عنه أم أن الضغوط الدولية ستكون أكبر منه؟!