فيما يستعدّ رئيس "تيار المستقبل" ​سعد الحريري​ للعودة بقوة إلى الساحة السياسية بعد إجازة صيفية، تخلّلتها على الأرجح "مراجعة" لكلّ خيارات المرحلة السابقة، خطف وزير العدل المستقيل اللواء ​أشرف ريفي​، الخارج من عباءة "التيار الأزرق"، الأضواء بهجومٍ حاد على "الشيخ سعد"، يكاد يكون غير مسبوق لا بالشكل ولا بالمضمون.

قال ريفي أنّ الحريري انتهى، وأنّ السنّة ينتظرون حريري جديداً، ما دفع الكثيرين لطرح السؤال الكبير: هل يقدّم وزير العدل المستقيل أوراق اعتماده كـ"حريري جديد"؟ وأبعد من ذلك، هل يملك المقوّمات ليكون "بديلاً" عن الحريري؟

"حريري جديد"

منذ ما قبل خروج المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي من الحكومة، وتغريده خارج سرب تيار المستقبل الذي كان أحد ممثليه في الحكومة "السلامية"، والواضح أنّ الرجل يطمح لما هو أكثر من مجرّد انتماء لحزبٍ أو تيارٍ محدّد. ومنذ انقلاب وزير العدل المستقيل على رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ومزايدته عليه حتى في قضية الوزير السابق ​ميشال سماحة​، والواضح أنّه يضع الزعامة السنية نصب عينيه، ويخطّط لوراثة الحريري نفسه داخل الطائفة.

وإذا كان الانتصار الذي حقّقه في الانتخابات البلدية الأخيرة في مدينة طرابلس في مواجهة "تحالف قوى السلطة" شكّل نقطة البداية في مشروع اللواء المتقاعد السياسي، رغم اعتقاد كثيرين أنّه لا يُصرَف في السياسة، فإنّ مقابلته التلفزيونية الأخيرة، والتي ذهب فيها لحد "تصنيف" نفسه بأنّه من جماعة قريطم لا بيت الوسط، أكّدت المؤكد، إذ إنّ الرجل فتح الحرب على مصراعيها على الحريري، ليعلن نفسه بديلاً جاهزاً لاستلام زمام الأمور في أيّ لحظة. أما "عدّة" ريفي لتحقيق هدفه، والتي باشر باعتمادها منذ "انفصاله الطوعي" عن رئيس تيار المستقبل، فتقوم على انخراطه بحرب المزايدات داخل الطائفة السنية توازياً مع التصويب المستمرّ على الحريري وفشله في القيادة.

وإذا كان ريفي يُعَدّ "ملك المزايدات" دون منازع، برأي خصومه، الذين يعتبرون أنّه جرّ حتى من كانوا يوصَفون بـ"المعتدلين" داخل تيار المستقبل، كوزير الداخلية ​نهاد المشنوق​، لسلوك هذا الطريق الوعِر، فإنّ الأكيد أنّ "الإيجابية" التي لاقى فيها الأخير، بعد إعلانه توقيعه على طلب حلّ ​الحزب العربي الديمقراطي​ وحركة التوحيد-فرع ​هاشم منقارة​، تصبّ هي الأخرى في سياق "المزايدات"، إذ إنّ ريفي استغلّ الموضوع في محاولةٍ لتحصيل المكاسب السياسية، وقطع الطريق أمام "المستقبليين" على ذلك، خصوصًا أنّه كان حريصًا على نفي ما يُحكى عن سعيه لترتيب وضعه داخل "المستقبل"، بل ذهب في هجومه على الحريري للحدّ الأقصى.

أما حرص ريفي على تمتين وتعزيز علاقته مع المملكة العربية السعودية والذهاب بعيداً في دفاعه عنها وهجومه على خصومها، وفي مقدّمهم ​إيران​ و"حزب الله"، فلا ينفصل على الإطلاق عن طموحه، بل هو محاولة منه للاستفادة من الأزمة التي يتخبّط فيها الحريري أيضاً مع المملكة، ورسالة منه لأصحاب الشأن فيها بأنّه قادرٌ على خدمة أجندتها في لبنان أكثر من "الشيخ سعد" الذي ذهب بعيداً في تنازلاته غير المجدية، مستثمراً في ذلك ما يُحكى عن زوال "الحصرية" التي لطالما كانت تمنحها السعودية لآل الحريري في لبنان، بدليل انفتاحها على مختلف الشخصيات السنية، الموالية والمعارضة تاريخياً لها على حدّ سواء.

أين المقوّمات؟

اللواء ريفي يطمح إذًا لوراثة الحريري سنياً ووطنياً، وهذا الأمر لم يعد بخافٍ على أحد، في ضوء السياسات التي يعتمدها والمواجهات التي يفتحها مع حلفاء الأمس القريب.

قد يقول قائل أنّ الطموح مشروع، وأنّ من حق ريفي مثله مثل أيّ شخصية سنية أخرى السعي نحو الزعامة، طالما أنّ "الزعيم المفترض" يشهد حالة تراجع على كلّ المستويات، سياسياً ومالياً وشعبياً.

ولكن، وأبعد من مشروعية الطموح، هل يملك ريفي المقوّمات المطلوبة ليكون البديل عن الحريري؟ وهل تكفي التعبئة المذهبية والطائفية للوصول إلى هذا الهدف، أم أنّها، على العكس من ذلك، قد تشكّل العائق الأكبر في طريقه؟

للإجابة على هذا السؤال، لا بدّ من الانطلاق من كون ريفي شكّل بالفعل ظاهرة، باعتراف مبغضيه قبل محبّيه، هو الذي لا يمكن لأحد أن ينكر أنّه كان مفاجأة الانتخابات البلدية الأخيرة المدوية. إلا أنّ هذه الظاهرة تبقى، لغاية تاريخه، محدودة في الزمان والمكان، كما يرى المراقبون، باعتبار أنّ قوة اللواء المتقاعد لا تزال مناطقية بشكلٍ أو بآخر، وهي، وإن لم تكن محصورة في مدينة طرابلس، إلا أنّ عاصمة الشمال تشكّل ثقلها الأكبر والأكثر تأثيراً. لكنّها لا تزال ضعيفة نسبياً مقارنة مع الحالة الحريرية على سبيل المثال، حتى في أيامها الصعبة، ولعلّ ولاء الموظفين في مؤسسات الحريري للخط السياسي "المستقبلي" رغم عدم حصولهم على رواتبهم منذ أشهرٍ طويلة خير دليلٍ على ذلك.

وأبعد من الزعامة المناطقية، التي قد تتوافر مقوّماتها لدى ريفي، فإنّ الزعامة الوطنية تتطلب ما هو أكثر منها بكثير، وهي تتطلب قبل كلّ شيء علاقاتٍ جيّدة مع مختلف الأفرقاء، وانفتاحاً عليهم بعيداً عن "العداوات"، وهو الأمر الذي يغيب عن اللواء المتقاعد، الذي ينفر منه معظم خصومه، الذين يجاهرون بأنّهم يفضّلون الحريري عليه، وبين هؤلاء قادة في قوى الثامن من آذار، لا لشيء إلا لاقتناعهم بوجود مرونة معيّنة لدى الحريري تجعل التعاطي معه سهلاً، بعكس ريفي الذي يغالي في "تطرّفه" في الكثير من الأحيان.

من هو الزعيم؟

قد يكون صحيحًا أنّ رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري لم يكن الخيار الأفضل لوراثة رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، بدليل الأزمات الكثيرة التي ورّط نفسه وجمهوره فيها، وتفريطه بالمؤسسات التي بناها الحريري الأب وطوّرها طيلة حياته.

وقد يكون صحيحاً أنّ الحريري لم يكن على قدر طموحات وآمال جمهور "تيار المستقبل" العريض، باعتبار أنّه ذهب في تنازلاته لحدّ لم تتقبّله بيئته الحاضنة، خصوصًا أنّها بمعظمها كانت تأتي بعد رفعٍ مجاني وعشوائي للأسقف إلى أعلى المستويات.

ولكنّ الأصحّ من هذا وذاك، أنّ أيّ بديلٍ يجب أن يتمتّع بمقوّمات الزعامة، التي لا يمكن اختزالها أبداً بالتعبئة والتحريض، وإن كانا مربِحَين على الصعيد الشعبي...