عندما تمرّ في شوارع المتن و​كسروان​ تجد ​النفايات​ في كل مكان على أرصفة الشوارع، بالقرب من المدارس والمحال التجارية، حتى انها تكاد تقفل بعض الطرقات لكثافتها... هي المشكلة القديمة الجديدة التي لم تستطع الدولة أو تتمكن من إيجاد حل نهائي لها، فهي تختفي حيناً لتعود وتظهر بشكل أكبر.

فبعد أن ارتاح الموطنون من هذا العبء الذي أثقل كاهلهم لأكثر من سنة على أثر اقفال مطمر الناعمة وعدم ايجاد حل بديل الى حين الاتفاق على فتح ​مطمر برج حمود​ لاستقبال هذه النفايات، عادت الاعتراضات "الكتائبيّة" بالنفايات الى الشوارع من جديد بدل ايجاد الحلول وكأنه مشهد بات واجباً تحمّله!

إنتهت أزمة النفايات مرّة جديدة بعد إزالة الكتائب لاعتصامهم، وإعادة العمل بمطمر برج حمود بناء على الخطة التي وضعت سابقاً، ولكن هذا الحل الذي أوجدته الدولة يعتبر موقتاً. إذ بحسب الخبير البيئي ​زياد أبي شاكر​ فإن "هذه الخطة التي وضعت لبرج حمود خصوصاً لا تشكل بنية تحتيّة طويلة الأمد لمسألة النفايات والهدف الأساسي منها هو رفع النفايات من الشوارع وهي تحتاج الى مرحلة إنتقالية والى مطمر ومركز فرز ومعمل ليسوا موجودين حتى اليوم".

يرى أبي شاكر عبر "النشرة" أنه "وعلى عكس ما يحكى بأن مطمر برج حمود يستوعب النفايات لمدّة أربع سنوات فإنه لن يتحمل القُمامة لأكثر من ثمانية عشر شهراً وبعدها على البلديات أن تعمل على حلّ مشاكلها بنفسها لأن الأزمة ستعود حتماً"، معتبراً أن "الحلّ لن يكون إلا عن طريق إنشاء كل قضاء وكل إتحاد بلديات لمركز فرز وتسبيغ خاص به".

حلّت كسروان هذه الازمة عبر إعلان رئيس اتحاد بلدياتها ​جوان حبيش​ عن معمل لمعالجة النفايات، إلا أنه وفي المتن تختلف الحال فمن يمر في منطقة الدورة والجديدة صباحاً على سبيل المثال لن يتمكّن من ترك نافذة السيارة مفتوحة فالدخان الأبيض والروائح الكريهة-المسمومة تغطّي المكان بسبب حرق النفايات على جانبي الطرقات والذي تخرج منه مادة Dioxine المُسَرْطِنَة، بحسب ما يؤكد الخبير في المواد الجرثومية في الجامعة اليسوعية ​أندريه خوري​، لافتاً الى أن "هذه المادة موجودة في الهواء ولكن نسبتها لا يجب أن تكون مرتفعة، ومع حرق النفايات فإننا نزيد هذه النسبة التي تسبب أمراضاً سرطانية، وهي تدخل جسم الإنسان وتحتاج من سبعة الى أحد عشر عاماً لتخرج منه"، شارحاً أن "هذه المادة وبنتيجة الاحتراق تتطاير في الهواء وتعلق في الماء والمزروعات ممّا يأكله أو يشربه الإنسان، وهنا المشكلة الكبرى".

"أخطر الأمور التي يمكن أن يقوم بها الإنسان هو حرق النفايات، إذ من الأفضل تركها على الطرقات على القيام بحرقها". هذا ما يراه خوري، مشيراً الى أن "هذا الأمر يسبب حالات إختناق خصوصاً لدى الذي يعانون من الربو كما يسبب الحساسيّة أيضا"، ولفت في نفس الوقت الى أن "أكثر الأشخاص الذين يتضايقون هم الأولاد وكبار السنّ ومن يعانون من أمراض مزمنة وأي مرض يضرب جهاز المناعة"، وأضاف "لدى الإنسان السليم تبدأ العوارض بعد فترة إذ يبدأ بالسعال والمعاناة من الحساسيّة في الحنجرة وقد يضطرّ الى دخول المستشفى".

في المحصلة حتى لو فتح مطمر برج حمود فإن المشكلة لن تحلّ طالما لم تعتمد اللامركزية في هذا الموضوع، والحلول كثيرة في هذا المجال إحداها إبتكرها أبي شاكر عبر إنشاء معمل في بيت مري لمعالجة النفايات، وهو لا يحتاج الى مطمر أو محرقة أو أيّ شيء آخر، فحتى العوادم استطاع أبي شاكر الى تحويلها الى مواد يمكن الاستفادة منها، وهي اليوم كراسٍ يجلس الضيوف عليها في مكتبه، فلماذا لا تحذو الدولة حذوه وتخلّص المواطنين من هذه الأزمة؟ أم أنّها تتعمّد ترك هذه المسألة "كورقة ضغط" في يدها تستعملها ساعة الحاجة!

للإطلاع على الصور انقر هنا.