أكّد وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​ أنّه "يمكننا البناء على القطاع الخاص وعلى التعهّد القوي الذي أبداه المصرفيون والعاملون في القطاع المالي وقطاع الاستثمار. وهناك مبادرات مالية بإمكانها مساعدة ​لبنان​ للتغلّب على الأمراض المزمنة التي يعاني منها، ومنها النزوح السوري الكثيف على أرضنا والذي يؤثّر على اقتصادنا. ولفت في الكلمة التي ألقاها في الجلسة الختامية "للمؤتمر الإقليمي الأول للطاقة الإغترابية اللبنانية- أميركا الشمالية" الذي عُقد في ​نيويورك​ على مدى يومين، الى إنّ المشاركين في جلسات الحوار قد وضعوا الإطار لمشاريع عدّة وأفكاراً تهدف الى جذب وجمع الطاقات المختلفة الموجودة في لبنان منها الموارد البشرية والطبيعية. أمّا بالنسبة للقطاع العام والحكومات فلا يمكن أن يكون لدينا دوراً كقطاع عام في المجهود الجماعي إلاّ إذا احترم القطاع العام مبدأين هما: الشفافية والمحاسبة. الشفافية كما أعطي المثل في القطاع الخاص والبترول لتفادي الفساد القائم. ولكن القطاع العام يجب أن يتفادى أيضاً الفساد الصغير الموجود في المؤسسات العامة والمحاسبة، ونستطيع التجاوب مع هذا المبدأ إذا اعترفنا أنّه لدينا مجلس نوّاب مدّد له مرتين، وهذا الأمر مناقض لمبادىء الديموقراطية والمحاسبة. فالمحاسبة تكون فقط إذا تمّ تحديث وتجديد مؤسساتنا وإذا قياداتنا تجدّدت أيضاً. إنّ القيادات التي جلبت المشاكل لا يمكنها أن تكون تلك التي ستحلّها. نحن نتعهّد بتحويل هذا النداء لوقائع، هذا سبب وجود صراعنا لحماية المؤسسات ولجعلها مرؤوسة من قبل الممثلين الشرعيين للشعب الذين يحظوا بشعبية تؤمّن لهم المقوّمات للقيام بدور القيادة. ولكن هذه الأسس الثلاثة لا يمكن أن تعمل إلا إذا ربطناها برابط مشترك وهو رابط “اللبنانية” الذي يسمح لنا استكمال استراتيجيتنا ورؤيتنا للمستقبل ويسوّق لهويتنا. بهذا الإطار، انخرطت وزارة الخارجية بشكل كامل في المناقشات من أجل اعتماد قانون إنتخاب حديث ومجدّد يسمح للجاليات بأن تتمثّل وأن تنتخب، ويسمح للبنانيين بأن يتمثّلوا بمن لديه الشعبية لدى المجتمع اللبناني.

أضاف إنّ الأمر الثاني الذي تفخر وزارة الخارجية به هو الإنجاز التاريخي الذي حقّقته بإقرار قانون استعادة الجنسية، ونحن اليوم نسعى الى إعادة الجنسية الى مستحقّيها، والى أحفاد اللبنانيين، في الوقت الذي نواجه فيه الضغوطات لمنح الجنسية لمن لجأ ونزح الى أراضينا. هذه الضغوطات تهدّد التركيبة الفريدة اللبنانية والمجتمع اللبناني حيث أنّ اندماج هذا العدد الهائل من النازحين قد يؤدّي الى تشرذم الهوية اللبنانية. ونحن هنا نؤكّد أنّنا لن نرضخ للضغوطات مهما كانت ومهما تصرّف البعض عنّا في الداخل بتبعية للخارج بدلاً من التصرّف كقائد ومرشد وملهم يعمل لمصلحة دولته”.

وأشار الوزير باسيل الى أنّ وزارة الخارجية ستتابع وتسرّع الخطوات التي قامت بها بهدف الربط بين الجاليات ووطنهم، وقال: "لعلّ النجاح الذي سجّلته مؤتمرات الطاقة الاغترابية الثلاثة التي عُقدت في لبنان، والنجاح الأول للطاقة الإغترابية المناطقية الإقليمية الذي عُقد في نيويورك والذي سيتبعه مؤتمر آخر في جوهانسبورغ، وآخر في ساو باولو، والمؤتمر الإقليمي الثاني الذي سيُعقد في العام المقبل في لوس أنجلوس، هي دليل لسعي وزارة الخارجية الى رأب الصدع بين الجاليات وبلدهم الأم". واوضح انه البارحة سمعنا تصفيقاً في الصالة لدى مطالبة أحد الحاضرين بمنح الجنسية لأولاد المرأة اللبنانية المتزوّجة من أجنبي، وأنا أصفّق معه أيضاً، وأقول إنّ هذا حقّ، لأنّ المرأة لا تختلف عن الرجل. ولكن لأنّ دستورنا هكذا، وتركيبتنا هكذا، ولبناننا هكذا، لا أعطي الجنسية الى 400 ألف فلسطيني. علينا معرفة أنّه للحفاظ على لبنان لا بدّ من إستثناءات. نستطيع القول إنّه يمكننا إعطاءها إلاّ لحاملي الجنسيتين الفلسطينية والسورية لأنّ بلدنا سيصبح فارغاً عندها من اللبنانيين. إذا ظنّ أحد أنّنا فرحين بالإختلاف مع رؤساء ووزراء وسفراء ومع كلّ المجتمع الدولي كوننا مصرّين على أنّه لا يمكن إدماج النازحين السوريين في لبنان، وهم يصرّون على إدماجهم فيه. هذا خلاف جوهري عميق يُهدّد كلّ لبنانيتنا ووطننا، ونحن هنا اليوم في نيويورك هذه معركتنا الأساسية. إذا أردنا أن نتخفّى ونتلطّى، فلماذا نجتمع، ولماذا نناديكم من كلّ دول العالم. نحن بكلّ بساطة نأتي إليكم، وسنخسر الأرض التي تجمعنا، لن نخسر هويتنا ولا رابط الدمّ، ولكن موعد ومكان لقاءنا الذي هو أرضنا ومنبع رسالتنا ولبنانيتنا سنخسرها، ولا أحد منكم يعتقد أنّه يمكننا المحافظة على لبنانيتنا عندما نخسر لبنان الأرض ولبنان الوطن.

وكان واصل المؤتمر عقد جلساته لليوم الثاني على التوالي، فناقشت الجلسة الخامسة موضوع الإستثمار والتنويع والنمو الإقتصادي، فضلاً عن الخدمات المالية والمصرفية. وشدّد المشاركون خلالها على أنّ لبنان بحاجة الى زيادة تعليم وتدريب الجيل الجديد على المهارات المهنية والتوازن بين التعليم المهني والعالي.

أمّا الجلسة السادسة والأخيرة فتناولت مسألة العلامة التجارية اللبنانية: "إشترِ لبناني" والمطبخ اللبناني. تحدّث المشاركون فيها عن موضوع المضاربة التي تتعرّض لها المنتجات اللبنانية من قبل بعض منتجات دول المنطقة. ودعوا الى ضرورة الترويج لاستخدام المنتجات اللبنانية من قبل اللبنانيين المنتشرين في أميركا الشمالية.

ثم عقدت الجلسة الختامية للمؤتمر، فتحدّث خلالها المهندس هاشم سركيس مشدّداً على أنّه لدينا في لبنان قانون سيء للبناء ولهذا فمن الملحّ وضع قوانين جيدة تحمي البيئة التي تحيط بالأبنية. ودعا الى التغيير في السلوك والعادات، ما يؤدّي الى تحقيق النجاحات، لافتاً الى أنّه قد ساهم ببعضها في لبنان.

وثمّنت المحامية جومانا كيروز في كلمتها جهود الوزير باسيل في إقامة مؤتمرات الطاقة الإغترابية وجمع المغتربين من أكثر من 95 بلداً في العالم، كما إعطاء المنتشرين الذين يبلغ عددهم 15 ألف لبناني في الخارج الأهمية، شاكرة إيّاه على ما يقوم به كونه يتطلّب منه تضحيات عدّة.

وكان لوزيرة العدل والهجرة في مقاطعة توفاسكوشيا الكندية لينا دياب كلمة قرأت في بدايتها رسالة تضامن وتقدير من رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودر هنأ فيها الوزير باسيل والمشاركين في المؤتمر على جهودهم. ثم دعت الى بناء الجسور وإزالة العراقيل لتحقيق التطوّر، لافتة الى افتخارها بمساندة الجمعية اللبنانية- الكندية طوال السنوات الماضية. وأشادت بدور اللبنانيين في دول الإنتشار ومساهمتهم في إعمار وتطوير البلدان التي ذهبوا اليها، وإن كان عددهم قليل فيها نسبة الى عدد سكّانها.

وأصدر المشاركون في المؤتمر توصيات عدّة لخّصها القنصل العام في نيويورك مجدي رمضان على النحو الآتي:

في الجلسة الأولى قرّر المشاركون تشجيع الشباب اللبناني على المجازفة في الدخول الى عالم الشركات الناشئة، وأسدوا اليه النصيحة باستخدام التكنولوجيا لحلّ المشاكل في لبنان.

الجلسة الثانية صدر عنها اقتراح تنظيم مسابقة بين الشركات التي تحبّ الإستكشاف في لبنان ودعوها لتقديم العروض شرط إقامة بنى تحتية في لبنان. كما تمّ اقتراح إنشاء فريق من المستثمرين اللبنانيين من المنتشرين والمقيمين للإشراف على عملية العروض هذه للمحافظة على الشفافية لدى دراستها. ورأوا بأنّه بما أنّ مصادر الطاقة المتجدّدة ذات كلفة مرتفعة، فإنّه يجب على الحكومة دعمها في المرحلة الأولى.

في الجلسة الثالثة تمّ اقتراح إنشاء صندوق مالي أميركي لدعم الأبحاث في الجامعات في لبنان. كما جرى اقتراح تبادل الزيارات بين الأساتذة والأكاديميين بين لبنان وأميركا الشمالية لنقل العلم والمعرفة.

أمّا الجلسة الرابعة فشدّد فيها المشاركون على ضرورة وجود أرقام واضحة حول أعداد المنتشرين وأماكن تواجدهم وتنوّع حاجاتهم للتمكّن من وضع سياسات تلبّي هذه الإحتياجات، فضلاً عن إصلاح بعض القوانين التي تعيق قيام الإغتراب باستثمارت في لبنان. وركّزوا على أهمية دور الجالية بتأسيس لوبي للضغط على الحكومة الأميركية لصالح لبنان كدعم الجيش والمؤسسات التربوية والإجتماعية وسوى ذلك.

وصدر عن الجلسة الخامسة توصيات تقضي بضرورة تحسين مناخ الإستثمار في لبنان عبر إصلاحات بنيوية. ورأى المشاركون فيها أنّه لا يجب الإعتماد على التحويلات المالية من المغتربين من أجل تحقيق التنمية الإقتصادية في لبنان. ولفتوا الى ضرورة تنويع الموارد الإقتصادية فيه لا سيما وأنّ ثمّة عدم استقرار في دول الجوار يؤثّر سلباً على البلد.

أمّا الجلسة السادسة والأخيرة فحثّ فيها المداخلون على أن يكون أصحاب المنتجات اللبنانية أكثر إصراراً وصلابة في الترويج لمنتجاتهم في الخارج. وتمنّوا على صانعي النبيذ والفنّانين والمشاهير ابتكار ماركة تجارية لتسويق المنتجات اللبنانية في أميركا الشمالية. فضلاً عن تشجيع مصنّعي النبيذ اللبناني لتسويقه في مختلف المدن العالمية ولا سيما لندن، نيويورك، باريس، هونغ كونغ وسواها.

واتفق المشاركون على تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات.

في ختام المؤتمر قدّم الوزير باسيل درعاً تقديرياً لكلّ من رئيس مجلس إدارة بنك بيروت سليم صفير بصفته الداعم الأكبر للمؤتمر ولجهوده في إنجاحه، والقنصل الفخري للبنان في هاليفاكس في كندا وديع فارس لما يقدّمه للجالية اللبنانية والإغتراب.

ومساء، أقام القنصل رمضان حفل استقبال للوزير باسيل والوفد المرافق في مقرّ إقامته في نيويورك دعا اليه المشاركون في المؤتمر وعدد كبير من أبناء الجالية اللبنانية. ألقى خلاه الوزير باسيل كلمة شدّد فيها على أنّ فكرة التسامح والتعايش ستنتصر لأنّه إذا لم تنتصر في لبنان، فنحن ذاهبون الى صراع أزمة بين الشعوب والديانات والمذاهب، وهو صراع الآلهة على الأرض الذي لا ينتهي. وقال إنّه مطمئن جدّاً على مستقبل لبنان، وإن كانت الأيام الحالية صعبة لأنّ لبنان سينتصر في النهاية وهذا تاريخه.