لا يُرصد في الأفق أي مؤشّر يُستشف منه إمكانية حدوث أي متغيّرات على مستوى الواقع السياسي في وقت قريب، لا بل إن المواقف التصعيدية في الداخل، والتطوّرات الإقليمية تشي بأن الأمور ذاهبة إلى مزيد من التصعيد، وأن الهوّة العميقة الموجودة على طرق الرئاسة والبرلمان والحكومة من الصعب ردمها، ما دامت الأبواب الداخلية مشلّعة، والنوافذ الإقليمية والدولية مقفلة حيال لبنان.

لقد بات من المؤكّد بأن جلسة انتخاب الرئيس المقرّرة في الثامن والعشرين من الشهر الحالي، ستكون صورة طبق الأصل عمّا سبقها، وبالتالي فإننا سنكون أمام موعد جديد لهذه الجلسة إنما هذه المرّة سيكون تحت وطأة منسوب عالٍ من التصعيد.

وما دامت الرؤية واضحة للفترة الفاصلة عن موعد 28 أيلول، فإن السؤال الذي يُطرح ماذا بعد هذا التاريخ، هل سيبقى الوضع السياسي على حاله، أم أننا ننتظر تطوّرات يمكن أن تُحدث خرقاً ما في جدار الأزمة، أو أن تُدخل البلد في مزيد من التعقيدات والتأزّم؟

في رأي مصادر سياسية متابعة أن التحرّك الذي سيقوم به «التيار العوني» بعد الموعد المحدّد للجلسة الخامسة والأربعين لانتخاب رئيس لن يكون له أية مفاعيل جوهرية على مستوى ملء الشغور الرئاسي، سيّما وأن هذا التحرّك غير معروف ضد مَنْ، كما أنه ليس معروفاً المدى الذي سيبلغه خصوصاً وأنه يأتي في سياق تصعيد تدريجي لا روزنامة زمنية له أو خارطة طريق واضحة.

وتؤكّد المصادر أن الحراك العوني الذي سينطلق في الأسبوع الأخير من هذا الشهر لن يعطي جنرال الرابية ما يريده على أي مستوى سياسي، وأن جلّ ما سينتج عنه هو نوع من إعادة اختبار للحشد العوني في الشارع، سيّما وأن الخلل الذي أصاب بنية «التيار» في أعقاب انتخاباته الأخيرة لا بدّ وأن يترك أثراً فعّالاً على مستوى الشارع سيّما وأن الذين شملهم قرار الطرد أو أنهم غرّدوا خارج سرب «التيار» من باب الاحتجاج على ما حصل كانوا في طليعة الذين يحرّكون الشارع ويتواجدون على المستوى الميداني.

وتذهب هذه المصادر إلى الاعتقاد بأن الشعارات التي يرفعها عون في معركته هي شعارات غير قابلة لأي حل، وأنه يستحيل تحقيقها في ظل هذه الأجواء المتشنّجة، باعتبار أن تلبية هذه المطالب يعني مسّاً باتفاق الطائف، وأي مسّ بالطائف يعني تطييره، وأن تطييره يعني الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي وهو ما ترفضه غالبية القوى السياسية، وهذا الأمر يبعث على الخوف من أن يكون الجنرال عون أمام تجربة مشابهة لتلك التجربة التي خاض غمارها في العام 1989 ولا داعي لذكر نتائجها التي كانت سوداوية ليس على عون وتياره فحسب بل على كل لبنان.

وفي موازاة التحضيرات العونية للتحركات التصعيدية فإن المصادر السياسية تلفت الانتباه إلى وجود حراك داخلي معزز بدعم إقليمي ودولي في سبيل تفعيل عمل الحكومة الذي هو الأساس في هذه المرحلة، لأن استمرار الحكومة على هذا النحو من التعطيل في ظل الفراغ الرئاسي لا يصب على الإطلاق في مصلحة لبنان، لا بل ان ضرره سيكون كبيراً قياساً للمخاطر التي تحدق في المنطقة نتيجة النار المشتعلة في أكثر من مكان.

وتؤكد هذه المصادر ان التوجه عند المسؤولين الآن، أي بعد عودة الرئيس تمام سلام من نيويورك هو إعادة ضخ الحياة مجدداً في الحكومة لإبقائها ولو شكلاً، باعتبار ان سقوطها يعني سقوط لبنان الذي هو في الأصل يقف الآن على حافة الهاوية.

وفي مقابل تفعيل الحكومة فإن الرئيس نبيه برّي لن يبقى وفق المصادر مكتوف اليدين وهو سيعمل بكل قوة من أجل فتح أبواب المجلس امام العمل التشريعي حيث يوجد في ادراج المجلس الكثير من المشاريع الملحة التي تحتاج إلى المصادقة عليها ومنها معاهدات، وسندات خزينة، وأخرى تتعلق بشؤون النّاس مباشرة وتحتاجها الحكومة في عملها.

وتكشف المصادر بأن الرئيس برّي في صدد الدعوة إلى جلسة تشريعية بعد دخول المجلس في عقده العادي في أوّل ثلاثاء يلي الخامس عشر من تشرين الأوّل المقبل، وأنه لن يتوانى عن السير بهذه الجلسة بمن حضر ما دام النصاب مكتملاً ما دامت الغاية تفعيل عمل المؤسسات وتلبية احتياجات البلد والمواطنين على حدّ سواء، وهذا الأمر ربما يكون مدار بحث بين الرئاستين الثانية والثالثة فور عودة الرئيس سلام من نيويورك.

ولفتت المصادر إلى ان نصائح عربية ودولية اسديت في الآونة الأخيرة للمسؤولين اللبنانيين بضرورة المحافظة على الاستقرار العام وضبط الوضع الداخلي الذي ما زال بالنسبة للعديد من الدول خطاً احمر لا يمكن تجاوزه في ظل الحريق المندلع في المنطقة.