المحاكم الدنيوية بإمكان الإنسان التخلص من المثول أمامها بطرق عديدة، أما المحكمة الإلهية فلا يمكن الفرار منها بوصفها حكومة الله.

المحكمة الكبرى هي ذلك اليوم الذي لا مفر منه، ولا يوجد أي طريقة للهروب من هذه المحاكمة لأنه يوم الحق ويوم القضاء، يوم يجتمع فيه نوران، نور الله ونار الجحيم، ففي ذلك اليوم محاكمة الناس ويؤتى بالخلائق ويوضع الميزان.

تشكلت هذه المحكمة الكبرى وقوامها الله يحكم بيننا، ذلك الحاكم العادل الذي يعلم ما في نفوسنا وما في ولجات أنفسنا، يومها لا علاقة له بما نملك ولا علاقة له بمظهرنا، واشكالنا، بل ينظر الى صفاء قلوبنا.

هل كانت تلك القلوب في الدنيا تعمل لأجل الآخرين؟ هل الإنسان يحمل تلك الإنسانية فيتخلص من تلك الصفة الحيوانية التي تجعله كالوحش وذاك ينهش هذا؟ هل كانت تلك القلوب ترحم الآخرين؟

في تلك المحكمة سيكون المحكوم هم البشر والحاكم هو الله... والطرف الثالث عمل الإنسان الذي سيشهد عليه ويبدأ التحكيم بين المتقاتلين والمتخاصمين.

ومن هنا أيها الناس علينا جميعاً أن نتحضر لمثل هذا اليوم الذي يوضح لنا "سر الحياة"، فلماذا نعيش؟ وهل تستحق الحياة للعيش؟ وما معنى الحياة؟

تساؤلات وأفكار تجول في رؤوسنا من يأس وإحباط. صحيح أن هناك حالات تجعل الإنسان يفقد طعم الحياة وخاصة عند الأزمات، يشعر الإنسان أن لا مبرر لحياته ويشعر بفراغ نفسي وروحي.

يراودنا السؤال "كيف يشعر الإنسان بقيمة حياته؟"

ملء الفراغ في داخلنا يشعرنا بقيمة الحياة وعلينا كسر الروتين اليومي، نعم، الروتين، تلك الرسائل المملة التي تفني فينا روح الحياة، فيجب التركيز على القضايا التي تخاطب جوهر الإنسان وقلب الإنسان، لا تجعلوا اليأس يتغلغل في انفسكم.

ماذا سنفعل اليوم؟ وماذا سنفعل غداً؟

عيشوا روح التجدد، استغلوا فرص الحياة، استغلوا الوقت قبل الحصول على المحكمة الكبرى.

فالحياة صفقة تجارية، فلنعرف ما هو هدفنا من الحياة. أليس من العبث ان نعمل ونشقى، ونكتشف، وفي لحظة واحدة نتركها ونرحل عنها؟

هل فكر الإنسان ما هدف وجوده على الأرض وفي أي عالم نحن؟ وإلى أين المصير بعد الموت؟

فليكن الهدف لمصلحتنا قبل أن نخسر اعمالنا وجهدنا في هذه الحياة الزائلة.

ما قيمة الانسان الذي يأكل ويشرب ويعيش ولا يعرف ربه؟ الإنسان يثبت وجوده في هذه الحياة من خلال روحه التي لا تفنى بل تعرج الى خالقه والإهتمام بهذه الروح اهم بكثير من الإهتمام بالقضايا المادية والجسدية الفانية دون أي قيمة اذا تجردت من الروح.

الإنسان الموجود في الحياة عليه ان يستغل الفرصة فهي تمر مر السحاب، فلا وقت لدينا لنضيعه، ففي داخلنا كنوز وطاقات هائلة مكنونة في أعماقنا، فالإنسان عبارة عن كون مصغر كما قيل "اتحسب انك عالم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر".

على الإنسان ان يتفكر في محكمة الحياة، محكمة الحكم على الطاغين، قد يعيش الحاكم فترة كبيرة من الزمن ويجند أدواته الإعلامية لإظهار مظهر صالح ثم يظهر الامر وتظهر الحقيقة ولا يبقى من ذكراه الا اللعنة والعبرة.

فالإنسان بما يحسّن من قول وعمل، ومن تترك ذكراه بصمات في تاريخ البشرية، فالتفتوا الى وجودكم قبل ان تصلوا الى المحكمة، انت ايها الانسان خليفة الله على الأرض اسأل نفسك هل جسدت هذه يا ترى؟ ما الذي قدمت للحياة؟

ان كانت حياتك مليئة بالرحمة، والعطاء، والروح، فنعمت هذه الروح وفازت في تجارتها وحصدت ما زرعت من الربح الوفير عند حاكم عادل يوم لا مفر للهروب فلا بد أن نستغل كل لحظة من أعمارنا فنبادر قبل نفاذ الآجال، فاغتنم شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، قبل ان تقف تلك المحكمة، وكم هي المعلومات التي جرت هنا وهناك وكم من قضايا مستبدة ظالمة لا يستطيع احد ان يحاكمها او يحاسبها تظلم وتسرق وتستبد وتمارس شتى أنواع الظلم والجشع، والطمع ولا يستطيع أحد أن يحاكمها. ولكن هل لها من مفر هناك عند المثول امام محكمة العدل، والحق، عندها يظهر الحق ويسحق الباطل؟