توحي المناخات السياسية السائدة عشية جلسة انتخابات الرئاسة الخامسة والأربعين المقرّرة غداً أنّها ستكون كسابقاتها، على رغم الصخب السياسي الذي بدأت تثيره عودة الرئيس سعد الحريري من الخارج جرّاء التكهّنات بأنه «سيتبنّى» ترشيح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون «متخلّياً» عن مبادرته ترشيحَ زعيم تيار المردة النائب سليمان فرنجية.

التوقّعات والتكهنات كثيرة، ولكن الصورة ما تزال رمادية، البعض يعتقد أنّ المشاورات التي بدأها الحريري قد تأخذ وقتها قبل ان يحسم خياره النهائي في ضوء نتائجها، وهي مشاورات داخلية، أي داخل تيار «المستقبل»، وخارجية، اي في الوسط السياسي، وقد بدأها امس بزيارة فرنجية، وكان يَنوي إستهلالها بزيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولكنّ ضغط المواعيد في عين التينة، ربّما كان السبب في ان يزور فرنجية اوّلاً، أو ربّما ارتأى الرجل ان يجريَ مشاوراته مع مختلف القيادات على أن يتوِّجَها بلقائه مع بري.

سيأخذ الحريري وقته لإنجاز مشاوراته، حسب مشاركين في الاتصالات، والبعض يقول إنّ الإخراج اللازم لمصير الاستحقاق الرئاسي سيتم خلال جلسة حوار جديدة يدعو إليها بري اقطابَ الطاولة الحوارية التي كان موضوع رئاسة الجمهورية ولا يزال متصدراً جدول اعمالها منذ ان انطلقت في ساحة النجمة قبل ان تستقرّ في عين التينة.

لم يَرشح بعد ايّ معطى جديد عمّا يطرحه الحريري، سواء بالنسبة الى مصير مبادرته ترشيحَ فرنجية التي أكّدت كتلة «المستقبل» الاستمرار فيها بعد اجتماعها الاسبوع الماضي، او بالنسبة الى طرحه «التفكير» في ترشيح عون، ولكن المعلومات المتداولة تفيد أنّ «المستقبليين» منقسمون بين الترشيحين مع رجحان كفّة معارضي ترشيح عون، الى درجة انّ بعض صقورهم لوّحوا برفض خيار عون والتمسّك بفرنجية حتى ولو اقتضى الامر الخروج من «المستقبل».

ويقول مطلعون إنّ ثمّة مسوّدة «ورقة تفاهم» صيغَت بين الحريري وعون خلال اللقاءات المتعدّدة بين الوزير جبران باسيل ومدير مكتب الحريري السيد نادر الحريري، وإنّ بعض حلفاء الطرفين أحيطوا علماً بها، على ان يتمّ توقيعها في حال انتهت الاتصالات والمشاورات بين «الرابية» و«بيت الوسط» الى خواتيمها المرجوّة.

إلّا أنّ كلّ ذلك يتمّ بمعزل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، ما دفعَ بعض السياسيين الى التشكيك في نجاح ايّ تفاهم بين الحريري وعون في شأن رئاسة الجمهورية لا يمكن ان يتمّ من دون اتفاق مع برّي، كونه عرّاب انتخابات الرئاسة، وفي هذا السياق لا يستبعد البعض، الى اللقاء المرتقب بين بين بري والحريري، ان يزورَ عون عين التينة، وهو الذي كان قد تلقّى سابقاً نصائح كثيرة من حلفاء وأصدقاء بضرورة التفاهم مع رئيس مجلس النواب، خصوصاً في موضوع رئاسة الجمهورية ومتطلباتها، من اتّفاقات يفترض إنجازها قبل انتخاب الرئيس، وهي تبدأ بالحكومة ورئيسها وقانون الانتخاب والانتخابات النيابية وصولاً الى الملفات الحساسة والاستراتيجية، وأبرزها ملفّ النفط الذي يتوقّف عليه مصير لبنان ومستقبله الاقتصادي والمالي.

ووسط كلّ هذه التحرّكات والمشاورات والتطوّرات يطرَح بعض المعنيين تساؤلات عن حقيقة الموقف السعودي الذي لطالما وضَع «فيتو» على ترشيح عون، وأيّد ترشيح فرنجية من خلال مبادرة الحريري الشهيرة، وهل إنّ حراك الحريري منسّق مع الرياض أم أنّه مستقلّ ومندرج ضمن اللعبة السياسية الداخلية وينطلق من مسَلّمة انّ الرياض وغيرها من العواصم الإقليمية والدولية «تدير الظهر» للاستحقاق الرئاسي وتعير الاهتمام فقط للاستقرار الأمني في لبنان في انتظار تبَلوُر مصير الأزمات العاصفة بالمنطقة من سوريا إلى العراق والبحرين واليمن.

ولكن بعض المعنيين أرادوا الوقوف على حقيقة الموقف السعودي، فكانت مبادرة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الى التشاور مع بعض المرجعيات الحليفة، وأوفد على اثرها الوزير وائل ابو فاعور الى الرياض لاستيضاح القيادة السعودية حقيقة موقفها.

وفي هذا السياق يردّد هؤلاء المعنيون أنّ الوسط السياسي عموماً و«المستقبلي» خصوصاً منقسم الى فريقين: الاوّل يشجّع الحريري على الدخول في تفاهمات مع عون وحلفائه على انتخابات الرئاسة، بحيث يتولّى هو رئاسة الحكومة، على ان تُعالج التباينات القائمة بينه وبين الرياض لاحقاً، والبعض يقول هنا إنّ الرياض لا يمكن ان تعطّل أيّ حلّ يبادر إليه الحريري حتى ولو كانت العلاقة الآن بينها وبينه تشوبها بعض الشوائب.

أمّا الفريق الثاني، فيتمسك بترشيح فرنجية ويرى انّ على الحريري أن لا يتفرّد بأيّ خيار سيتّخذه حالياً في شأن رئاسة الجمهورية وتولّيه رئاسة الحكومة وغير ذلك من القضايا المتصلة بمستقبل الوضع السياسي من دون أيّ دعم سعودي، وأنّ عليه الاستمرار في الحرص على العلاقة مع الرياض على رغم ما يقال عن تباين بينهما، فلبنان، وخلافاً لِما يردّده البعض، كان ولا يزال في دائرة اهتمامها، وليس صحيحاً انّها سَحبت يدها منه بسبب التباين بينها وبين الحريري، وأنّها ابلغَت الى بعض السياسيين انّها لن تتدخل وأنّ اللبنانيين احرار في الخيارات المتعلقة برئاسة الجمهورية أو غيرها.

على انّ احد الاقطاب السياسيين يقول في معرض التساؤل عن حقيقة الموقف الاميركي من حراك الحريري إنّ الاميركيين الذين يبدون وكلّ الدول الغربية اهتماماً بالاستقرار اللبناني، لم يعُد يهمّهم من يُنتخب رئيساً للجمهورية اللبنانية، فهم منصرفون الى انتخاباتهم، ولا يهتمّون بلبنان إلّا لجهة استمرار الاستقرار فيه.

غير أنّ بعض السياسيين يرددون انّ واشنطن لا تحبّذ الخيارات الرئاسية المطروحة، وأنّ المحاولة الجارية حالياً لإنجاز حلّ يتقدّمه انتخاب رئيس قد تكون آخر المحاولات، فإذا لم تنجح فإنّ الشغور الرئاسي سيستمرّ على وقعِ دخول المنطقة في «ستاتيكو» الى ما بعد انتخاب الرئيس الاميركي الجديد وتسلّمِ مهمّاته في كانون الثاني المقبل وتشكيل إدارته، ما قد يؤخّر حلّ الأزمة اللبنانية الى أواخر صيف 2017.