اختلفت الكلمات والشعارات والجمل اللغوية العربية في التهرب من الامر الواقع الذي تشهده الساحة اللبنانية، وهو تبني النائب سعد الحريري ترشيح النائب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. ولكن هذه العبارات كلها لا يمكنها ان تخفي ذلك، وهو ما ظهر جلياً منذ الزيارة الاولى الى بنشعي حيث صدر عن النائب سليمان فرنجية كلام عالي السقف عكس ميل الحريري الواضح لتبني ترشيح عون.

ولم يكن الكلام الصادر عن فرنجية وحده ما يؤشر الى ذلك، بل سلسلة التصريحات التي كانت تتوالى بعد كل زيارة يقوم بها الحريري الى مسؤول او زعيم، معني مباشرة بالموضوع او غير معني (على غرار الزيارة التي قام بها الى رئيس الحكومة تمام سلام مثلاً). اليوم، باتت صورة المشهد السياسي اللبناني بعد هذا التبني للترشيح مغايرة لما قبله، وكأنه اعطى جرعة معنوية مطلوبة للمسيحيين، خصوصاً اذا ما صح كلام مساعد رئيس مجلس الشورى الايراني في الشؤون الدولية حسين أمير عبد اللهيان عن ان التحرك الأخير الذي يقوم به الحريري حاصل على موافقة السعودية.

كلام البطريرك الماروني الذي غمز فيه من زاوية رئيس مجلس النواب نبيه بري(1)، معطوفاً على موقف رئيس حزب ​القوات اللبنانية​ ​سمير جعجع​ بعد استقباله الحريري(2)، يشير بوضوح الى أن تغييراً ما طرأ على معنويات المسيحيين أقله في التصريحات العلنية، وبعد معاناة كبيرة وتسويق للرئيس القوي ولمفهوم مثل هذا الرئيس.

ولكن كلام جعجع يعني ان القوات اللبنانية ستعود الى الساحة الحكومية بعد غياب، وستجلس حول طاولة واحدة مع "حزب الله" وافرقاء آخرين من مختلف الاحزاب والتيارات السياسية.

الا انه، على عكس ما يروج له البعض، وفي حال نضجت الطبخة الرئاسية ووصل عون الى بعبدا خلال الاسابيع المقبلة، سيكون من شبه المستحيل للقوات اللبنانية ان تتولى منصب وزارة الدفاع، وذلك لاسباب عديدة ومنها:

-التاريخ العسكري السيّء الذي يجمع بين القوات والجيش اللبناني سابقاً، والذي بقي في النفوس رغم كل الفترة الطويلة التي مرّت، وقد لا يتقبّل الكثير من الضباط والجنود وجود وزير قواتي على رأس الوزارة. اما القول ان الوزير الحالي سمير مقبل كان قريباً من جعجع، فهو ليس قواتياً وسرعان ما دخل في حصة الرئيس السابق ميشال سليمان.

-نجحت العلاقة بين الجيش وحزب الله في تخطي الكثير من الصعوبات وحتى بعض الشروط التي كانت تريد للجيش ان يصطدم مع الحزب في اكثر من مناسبة. ومن المحرج لكلا الجانبين وللقوات اللبنانية ان يتولى احد منها مسؤولية وزارة الدفاع، لان من شأن هذا الامر ان يخلط الاوراق ويضع الجميع امام مواجهة من نوع "الحرب الباردة" لا يستطيع احد تحملها، لا الحزب ولا الجيش ولا القوات، وبالطبع لن يتحملها رئيس الجمهورية العتيد والحكومة.

وعلى الرغم من ان وزارة الداخلية قد تكون مخرجاً مقبولاً، الا انها تبقى بعيدة عن الجيش، وقد بات الحزب يعرف كيف يبتعد عن صلاحيات هذه الوزارة، فلا يتعرض لها ولا تتعرض له مكتفياً بالعلاقة الوطيدة مع جهاز امني تابع لها هو "الامن العام".

-على الرغم من التحالف السياسي القائم بين عون والقوات، يبقى للجيش حيثيّة خاصة بالنسبة الى عون، وهو لن يرغب في المخاطرة بحصول أي احتكاك او خلاف مع القوات في شأن امور ادارية تتعلق بالمؤسسة العسكرية، لذلك يفضل القائد السابق للجيش ان يتولى وزارة الدفاع شخص من المقربين اليه.

كل هذه المعطيات، اضافة الى غيرها طبعاً، تضع حقيبة الدفاع في ظل الحكومة الجديدة، اذا ما كتب لسيناريو وصول عون الى الرئاسة النجاح وفق ما يتوقع في الآتي من الايام، خارج اسوار معراب وضمن السور الحصين للرابية.

(1)بتاريخ 2/10/2016: سأل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد: "كيف يقبل اي مرشّح للرئاسة الاولى، ذي كرامة وادراك لمسؤولياته، ان يُعرّى من مسؤولياته الدستورية، بفرض سلّة شروط عليه غير دستورية، وان يحكم كأداة صمّاء؟ هذا اذا ما كان الامر للمماطلة بانتظار الوحي وكلمة السرّ من الخارج".

(2)بتاريخ 1/10/2016 قال سمير جعجع من معراب رداً على سؤال: "أن يقولوا ان "القوات" تريد حقيبة سياديّة منطق مرفوض جملةً وتفصيلاً، مع انه لا يمكن لأحد أن يرفض شيئاً لأحد، فنحن محرومون منذ 20 عاماً ويجب التعويض علينا، مع العلم أن هذا الأمر طبيعي ومن حقنا كقوات".