منذ بدء الحديث عن "عقباتٍ" يضعها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في وجه وصول "حليف حليفه"، رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، يحاول "الأستاذ" إبعاد الموضوع عن "الشخصنة"، عبر الإيحاء بأنّ مرشحه هو "التفاهم الوطني" أولاً وأخيراً، والترويج لما سُمّيت بـ"​السلة المتكاملة​" كشرطٍ لإنجاز الاستحقاق، بغض النظر عن هوية الرئيس.

وإذا كان "العونيّون" حاولوا أن "ينأوا بنفسهم" لإدراكهم بأن الأوان ليس مناسباً لأيّ "معركة" مع بري، صغيرة كانت أم كبيرة، فإنّ "المفاجأة" أتت خلال الساعات الماضية مزدوجة، من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وصولاً إلى تيار "المستقبل"، اللذين توليا قصف جبهة "السلّة"، شكلاً ومضمونًا.

فهل باتت "سلّة" بري "الحلقة الأضعف" فعلاً وسط كلّ ذلك؟ وهل يمكن الوصول إلى حلّ من دونها، رغم كلّ شيء؟

"بدعة" وأكثر...

حين أصرّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري على عدم التناغم مع ما يُحكى عن جوّ "ورديّ" في البلد، من شأنه إيصال العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، بعد تخطيه معظم "الحواجز"، وآخرها "فيتو" رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري ومن خلفه ربما المملكة العربية السعودية، كان يتوقّع أن يتمّ التصويب عليه من قبل "التيار الوطني الحر" والمتعاطفين معه.

وحين حرص بري على فرض "السلة المتكاملة" كشرطٍ أساسي لانتخاب رئيس الجمهورية، بغضّ النظر عن هويته، كان يتوقّع أيضاً أن يُرشَق من قبل "العونيين" ومن لفّ لفّهم، وأن يتمّ تصويره كـ"حجر عثرة" في طريق تحقيق طموح "الجنرال" الرئاسي.

ولكن ما لم يكن بري يتوقعه أن يأتي الاعتراض عليه من قبل تيار "المستقبل" الذي يردّد رئيسه سعد الحريري دوماً ثابتة عدم جواز تجاهل بري وضرورة التنسيق معه في كلّ شاردة وواردة، والأهمّ من ذلك، من قبل المرجعية المارونية الأولى في البلاد، أي البطريرك الماروني، الذي وجّه سهامه إلى "السلّة" بطريقةٍ عرّتها من مضمونها، كما رأى كثيرون.

وإذا كان بري حاول الردّ على الراعي، غامزاً من قناة "سلة المرشحين" التي سبق أن تبنّتها بكركي، رغم كونها لا تمتّ للدستور بأيّ شكلٍ، فإنّ معارضي "السلّة" لا يرون في ذلك ما يمكن أن يبرّر السير بالسلّة كشرطٍ إلزاميٍ لإنجاز الاستحقاق، وهم، انطلاقاً من ذلك، يعتبرونها مجرّد "بدعة" موضوعة إما لعرقلة إنجاز الرئاسة، أو لـ"قبض ثمنها"، على جري العادة اللبنانية القائمة على "الصفقات" و"السمسرات"، وفي الحالتين الأمر ليس دستورياً ولا قانونياً، ولا يمكن أن يستقيم.

"شروط" على بري؟!

عمومًا، يرى هؤلاء أنّ بري لم يكن موفّقاً في مقاربة الاستحقاق الرئاسي منذ اليوم الأول، والكلّ يذكر أنّه أعلن أنّه يسير بأيّ شخصٍ يتفاهم عليه المسيحيون لرئاسة الجمهورية، قبل أن يتنصّل من تعهّده الأول ويطلق تعهّداً ثانياً بعدم عرقلة انتخاب عون رئيساً إذا تفاهم الآخرون عليه من دون السير به، ليتنصّل من التعهّدين حين بدأت بشائر "الدخان الأبيض" تتصاعد وطنياً، ليفرض "سلة شروط" لانتخاب عون أو غيره.

ولعلّ السؤال الأكثر إلحاحًا الذي طُرح في الصالونات السياسية خلال الساعات الماضية يكمن في "ماهية" الشروط التي "فُرِضت" على بري نفسه مقابل انتخابه رئيساً للمجلس، علمًا أنّه لم يعد خافيًا على أحد، بحسب ما يقولون، أنّ رئاسته للبرلمان المقبل هي أحد "بنود" السلّة الرئاسية، ما يعني أنّه يريد أن يكون الأمر "تحصيلاً حاصلاً"، وبالتالي يرفض أن يكون خاضعًا لأيّ شروط عندما يأتي وقت الاستحقاق.

من هنا، فإنّ الأمر الخطير في كلّ ذلك، برأي هؤلاء، هو أنّ "سلّة" بري هذه لا تسري على باقي المناصب العُليا في الدولة، وكأنّ رئاسة الجمهورية لا يكفيها "التهميش" الذي تعرّضت له حين جُرّدت من صلاحياتها في اتفاق الطائف، ليأتي بعض الأفرقاء اليوم ليزيدوها "تكبيلاً"، ويربطوها بتفاصيل التفاصيل، من دون أيّ مراعاةٍ للدستور وأحكامه.

أين الواقعية؟

وإذا كانت هذه المقاربة تبدو "منطقية" للوهلة الأولى، فإنّها تفتقد للحدّ الأدنى من "الواقعية"، يقول مؤيدو بري والمتعاطفون مع "سلّته" في المقابل، وهم يعتبرون أنّها، وبعكس كلّ ما يروَّج، يفترض أن تأتي لـ"مساندة" الرئيس العتيد، الذي لن يستطيع فعل شيء من دونها، بل سيجد نفسه مكبّلاً أو حتى "مصلوباً"، كما قال بري قبل أيام.

ويشير هؤلاء إلى أنّ بري لم يرغب بفتح أيّ "سجال" مع البطريرك الراعي، الذي يكنّ له كلّ الاحترام والتقدير، ولكنّ ما أراد قوله جهاراً هو أنّ الحديث عن "دستورية" الحلول في لبنان قد لا يكون في مكانه، خصوصاً أنّه ثبت باليقين وجود "خلل كبير" في هذا الدستور، وما الأزمة الرئاسية الحالية سوى خير دليل على ذلك، طالما أنّ هذا الدستور لم ينصّ على أيّ آلية تمنع هذا الفراغ الذي يكاد يصبح شاملاً، فضلاً عن الأزمات المتشعّبة، على غرار المهلة المفتوحة المعطاة لأيّ رئيس حكومة مكلّف لتشكيل حكومته، ولو بقي في مهمّته إلى أبد الآبدين.

وبعيداً عن إشكالية "تعديل الدستور" التي لا تلقى القبول من فئاتٍ لبنانية واسعة، فإنّ الهجوم المركّز على "السلة" يبدو مستغرَباً، خصوصاً أنّ "حزب الله" ليس بعيداً عن جوّها، وقد كان رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد أكثر من واضح في تبنّيها وتأييدها، كما ان عون نفسه بدأ ينفتح عليها بشكل أو بآخر، بدليل ما يُحكى عن لقاءٍ قريب بينه وبين بري للاتفاق على التفاصيل، علمًا أنّه حرص على عدم إطلاق النار عليها لا بشكلٍ مباشر ولا حتى عبر إعلامه. ولذلك، فإنّ هؤلاء يتساءلون عن "الأهداف الخفيّة" الكامنة خلف الهجوم، وما إذا كان لتخريب التفاهم، الذي بات قاب قوسين أو أدنى.

فوق وتحت الطاولة؟!

في المنطق الوطني، لا يبدو الحديث عن "سلة شروط" تُفرض على أيّ كان للوصول إلى منصبٍ ما مستحَبًا. وفي المنطق "العوني"، يبدو الأمر "مكروهاً"، باعتبار أنّ شخص العماد ميشال عون "ضمانة كافية" لتبديد أيّ هواجس.

وبين هذا وذاك، تبقى "الواقعية اللبنانية" أبعد ما يكون عن "المنطق" بأنواعه كافة، والتجارب السابقة تؤكد أنّ أيّ رئيسٍ لا يصل إلى بعبدا إلا بموجب "تسوية شاملة"، من فوق أو من تحت الطاولة، فهل يتكرّر السيناريو من جديد؟