كادت الأمور في سورية أن تصل إلى ما يشبه الاتفاق على وقف الأعمال العسكرية فيها بين أميركا وروسيا، وحصرها بـ"داعش" و"جبهة النصرة" بعد اتفاقية الهدنة الثانية، تمهيداً لاستئناف المباحثات السياسية، علّ الرئيس الأميركي باراك أوباما والحزب الديمقراطي يستفيدان منها في انتخابات الرئاسة الأميركية، وتستفيد منها روسيا في تحريك العجلة السياسية في سورية، وبالرغم من ذلك، لم يتجرأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري على الكشف عن بنود اتفاقية الهدنة، رغم إصرار روسيا على ذلك، لما تخفيه بعض العناوين التي لا ترضي المعارضة المسلحة في سورية والبنتاغون، الذي أشار إلى معارضته سياسة أوباما في التعاطي مع الأزمة السورية، والذي اعتبر أيضاً أن أداء الإدارة الأميركية هو أداء خاطئ، وكانت نتيجته تعزيز الدور الروسي في سورية، وهذا ما دفع البنتاغون إلى خرق الهدنة والإغارة على الجيش السوري في دير الزور، لتمكين "داعش" من السيطرة عليه، ودفع الأمين العام إلى دعوة مجلس الأمن للانعقاد وعلى جدول أعماله "توجيه الاتهام لروسيا بارتكابها مجازر ضد الإنسانية في حلب، واستخدامها الأسلحة الممنوعة هناك"، ما دفع الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى قول إن الاجتماعات الأخيرة لمجلس الأمن باتت تشبه حلقات مسلسل "سانتا باربرا" الأميركي.

توتّرت الأجواء السياسية في الفترة الأخيرة بين روسيا وأميركا ومعها الدول الأوروبية، بسبب الوجود المباشر والقوي لروسيا في سورية، والذي أحدث نقلة نوعية لمصلحة النظام السوري، كونها ساعدته في استعادة العديد من المناطق التي احتلها "داعش" و"النصرة"، وإضعاف المعارضات العسكرية فيها، خصوصاً بعد المعركة الأخيرة في حلب.

حاولت أميركا والاتحاد الأوروبي التضييق على روسيا في أوكرانيا، فكانت ردة فعلها أن وضعت يدها على جزيرة القرم وضمّتها إليها، وجهدت أميركا في مصادرة نفوذ روسيا في سورية، والقضاء على نظام الاسد بسبب دعمه للقضية الفلسطينية وللمقاومة في لبنان وفلسطين في مواجهة "إسرائيل"، لكن الإدارة الأميركية لم تستطع، فقد أدركت روسيا مخاطر التدخل الأميركي، فاتخذت قرارها بالتدخل العسكري المباشر، الذي رأت فيه مدخلاً لتقوية نفوذها في سورية، وضرب التكفيريين الذين يهددون أمنها بعد عودتهم من القتال فيها.

حاولوا تطويق روسيا في مجلس الأمن لكنهم فشلوا في إدانتها، وقد جاء كلام المندوبة الروسية زخاروفا في هذا السياق: "من غير الواضح ما هو ذنب روسيا.. إنهم حالياً يتهمونها باستهداف القافلة الأممية، ومن دون تقديم أية أدلة"، عدا أنهم لايستطيعون معاقبتها، لأنها تمتلك حق "الفيتو" فيه.

نجحت أميركا ومعها الغرب في تعطيل مسار التسوية في سورية، لكن الحرب فيها لا يمكن أن تستمر إلى الوقت الذي يمكن فيه للمعارضة أن تنتصر على النظام، أو النظام على المعارضة، لأن هذا الاتجاه سوف يأخذ أطراف الصراع في المنطقة إلى حرب مفتوحة وغير مضمونة النتائج، وسيغيّر من قواعد الاشتباك في المنطقة بين أميركا وروسيا، والقائمة على "الحرب الباردة"، التي استعاد الرئيس بوتين زمام المبادرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

إن تجاهُل قوة النظام والدول الداعمة له، وإبقاء الأزمة السورية في حالة استنزاف إلى أن يحين الوقت الذي يصبح فيه الميدان بيَد أميركا قد يأخذ الجميع إلى حرب مفتوحة، وهذا ما دفع بالروسي إلى قول إن افق التسوية مسدود، وبالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لقول إن الميدان هو الذي يحسم.. فعلى الجميع التنبه إلى مخاطر هذه المرحلة وعدم التذرُّع بالوقت الضائع، والتعقل والعمل على قاعدة أن لا غالب ولا مغلوب في سورية، وعليهم أن يجلسوا على طاولة المفاوضات، باستثناء المجموعات التكفيرية، للوصول إلى نتائج تُرضي الجميع، وفي الوقت نفسه إعداد خطة مشترَكة لمواجهتهم، لأن خطرهم سيطال الجميع.