أثارت عودة رئيس "تيار المستقبل" ​سعد الحريري​ الى بيروت زوبعة من التساؤلات والتفسيرات والتكهّنات، خصوصاً أنّ العودة ارفقت بنشاط سياسي لافت، حيث قام بجولة على المرشحين للرئاسة اللبنانية بدءاً من بنشعي مقر المرشح رئيس تيار المردة النائب ​سليمان فرنجية​ الحاصل على تأييد تيار المستقبل منذ ما يقارب 11 شهراً من دون التمكن من احداث اي خرق في ملف الرئاسة يؤدي الى وصوله الى قصر بعبدا.

ذهب البعض للقول أنّ الحريري جاء ليقول لمرشحه للرئاسة اللبنانية ان تبني تيار المستقبل له وصل الى طريق مسدود وان البحث عن مرشح آخر ربما يكون هو الحل لملء الفراغ الرئاسي في لبنان، فيما ذهب البعض الآخر أبعد من ذلك ليقول أنّ الحريري جاء ليعتذر من فرنجيه، تمهيداً لترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون بدلاً منه، مستنداً الى تبدل المشهد الاقليمي والى نتائج الاجتماع السري الذي جرى في باريس بين مدير مكتب الحريري السيد نادر الحريري وبين رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، وذلك يعود الى حرص الحريري على لبنان وحفظ البلد من الضياع، وكأن ضياع لبنان من عدمه مرتبط بوجود شخص معين بسدة الرئاسة اللبنانية في حين ان حقيقة الازمة في لبنان هي ازمة اتفاق الاطراف السياسية في لبنان بشكل ثنائي او جماعي، الأمر الذي يأتي بنتائج غالباً ما تكون لمصلحة الاطراف المتفقة التي تقدّم المصالح الشخصية والحزبية على حساب مصلحة الوطن والمواطن، اضافة الى وجود طبقة سياسية شكلت ازمة حكم من خلال ممارسة سياسية بالية اثبتت فشلها وفسادها على مدى العقود الماضية.

ان تبني الحريري لترشيح النائب سليمان فرنجيه لم يات من فراغ بل جاء بناء على توافق أميركي سعودي اوروبي فاتيكاني، ما اوحى ان امر الرئاسة قد حُسم لمصلحة فرنجية، ولذلك جاء تبني الحريري له تأميناً لمصالحه في لبنان، ومن أجل إعادة الاعتبار لوجوده ولتيار ولرصيده السياسي الآخذ بالتآكل، وذلك عقب اجتماع ضم الرجلين فرنجيه والحريري في باريس، الا ان المفاجأه جاءت من قبل حلفاء فرنجيه الذين لم يبادروا للدفع بهذا الاتجاه وفاء لمرشحهم المفضل الجنرال عون، بل إنّ بعضهم ذهب لحدّ شنّ حملة شعواء عليه، واتهموه بتقديم التنازلات لصالح الحريري، منها ما يتعلق بقانون الانتخاب، ومنها ما يتعلق بتعهّده بأن يتربع الحريري على كرسي رئاسة الوزراء طيلة ولايته الرئاسية. وهناك من ذهب أبعد من ذلك، مصوّباً سهامه نحو فرنجية على اعتبار أنّه عمل لمصلحته الشخصية، ضارباً بعرض الحائط مصالح المقاومة وتماسك قوى الثامن من آذار.

اللافت وسط كلّ ذلك أنّ صمتاً مريباً اصاب الجميع من كلا الطرفين، ولم يات احد على ذكر ما تم بالاجتماع بين السيد نادر الحريري وبين الوزير جبران باسيل في باريس، وما هي التنازلات التي قدمها باسيل للحريري بالنسبة لقانون الانتخابات، واذا ما ضمن باسيل بقاء الحريري متربعاً على كرسي رئاسة مجلس الوزراء طول مدة السنوات الست من عهد عون الرئاسي، ولم يكشف لنا احد عن قانون الانتخابات الذي اتفق عليه بين الطرفان في مقابل تأييد الحريري ترشيح الجنرال عون للرئاسة، إلا أن أحداً لم يوجه سهامه نحو جبران باسيل او الجنرال عون بانه عمل لمصلحته الشخصية على غرار ما حصل مع فرنجيه.

نستطيع القول ان شبق السلطة جمع بين عون والحريري، فالجنرال عون عينه على قصر بعبدا بينما الحريري يتوق للعودة الى السراي الحكومي. وبالتالي، لقد اثبت الحريري ان لا عون ولا فرنجيه يحتل اولوياته في التأييد الا بما يتوافق وعودته الى السراي كرئيس للوزراء، علماً أنّ الحريري غادر بيروت متوجهاً الى الرياض ومنها الى موسكو في مسعى لطلب المساعدة واستشراف المواقف الاقليمية والدولية في ملف الرئاسة التي تؤمن تربعه على رئاسة الوزراء، كما انه تقصّد التصريح اثناء اجتماعه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو وبحضور وسائل الاعلام بان الجهة المعطلة لانتخاب رئيس للجمهورية وملء الفراغ الرئاسي الحاصل في لبنان هي حزب الله.

إزاء كل ذلك، نسأل... طالما ان الحريري وافق على دعم الجنرال عون وحزب الله ما انفك يوماً الاعلان عن تبني ترشيح العماد عون لمنصب رئاسة الجمهورية ولملء الفراغ الرئاسي في لبنان، ما يعني حصول اتفاق ضمني بين حزب الله وبين الحريري على مرشح واحد هو العماد ميشال عون، اذاً هل من يشرح لنا كيف يكون حزب الله هو المعطل لانتخاب رئيس للجمهورية وملء الفراغ الرئاسي في لبنان؟

إن ما صرح به الحريري في موسكو وبحضور وزير الخارجية الروسي بتسمية واتهام حزب الله بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان هو تصريح بمثابة رسالة ترضية للمملكة العربية السعودية التي لا تريد المجاهرة بحقيقة موقفها من انتخاب الجنرال ميشال عون.

نستخلص من كل ما تقدم ان لا نتائج الاجتماعات والاتفاقات الثنائية ولا الدولية اللبنانية ستنتج رئيساً للجمهورية اللبنانية اقله في الوقت الراهن لان الانفراج الرئاسي في لبنان بات مرتهناً بانقشاع الغيوم ووضوح الصورة في الاقليم لا سيما الازمة السورية لانها باتت ازمة عالمية دولية اقليمية بامتياز والصورة تتجه من الان حتى اشعار آخر نحو متغيرات تاريخية واعادة رسم نظام جديد للمنطقة ضمن صورة مركبة معقدة ونحو اشتباك اقليمي معقد بانعدام بروز اي بوادر للحلحلة.

ومن الان حتى الانتهاء من اعادة تركيب المشهد الاقليمي على اسس دولية جديدة ستؤدي حكماً الى اعادة تركيب الصورة اللبنانية من جديد، تبقى كل المبادرات لملء الفراغ الرئاسي غير مجدية وكلامًا بكلام...