لا نريد أن ندخل في جدال حول «​المارونية السياسية​».... ولكننا في «مونولوج» ذاتي نقول (تعقيباً على ما شهدته الساحة اللبنانية في الأيام الأخيرة):

ما كان يسمى «مارونية سياسية» لم يكن سوى مسار وطني كبير جلب لهذا الوطن الأمان والإطمئنان:

1 - المسماة «مارونية سياسية» حققت للبنان موقعاً إقليمياً ودولياً كبيراً... فكانت كلمة لبنان مسموعة في جامعة الدول العربية وفي هيئة الأمم المتحدة التي ترأس هذا الوطن الصغير جمعيتها العامّة.... بالشخصية ذاتها التي أسهمت في شرعة حقوق الإنسان (الدكتور شارل مالك).... وقد إفتتح لبنان تقليد عقد مؤتمرات القمة العربية خارج مقر الجامعة، فجمع الرئيس كميل شمعون القادة العرب في فندق السان جورج.

2 - «المارونية السياسية» حوّلت لبنان الى واحة غنّاء (بالمعاني البيئية والسياسية والإقتصادية) في هذه الصحراء من الشرق الأوسط. فحوّلت لبنان الى جامعة العرب، ومدرستهم، ومكتبتهم، ودار نشر كتبهم، وصحيفتهم، وتلفزيونهم، ومستشفاهم، ومصيفهم ومشتاهم، ومنتجعهم (...).

3 - «المارونية السياسية» أوجدت ازدهاراً في البلد الذي لم يكن معروفاً ان فيه أي ثروة معدنية (سواء المعادن الصلبة أم السايلة) فكان اللبناني يؤمن دخلاً فردياً يتجاوز الدخل الفردي في معظم بلدان المنطقة بما فيها تلك التي لديها ثروات باطن الأرض الهائلة.

4 - «المارونية السياسية» وضعت لبنان على الخريطة العالمية السياسية والثقافية وخريطة الجمال والحداثة والتطور، فكانت اعرق دور الأزياء في العالم تطلق آخر صرعاتها وإبتكاراتها من هذا البلد: في الأزياء والعطور والصناعات الحديثة في بداية طغيان عصر التكنولوجيا. وكانت الدول الأوروبية تنتخب ملكة جمال أوروبا في لبنان.

5 - وكان لبنان وطن الأمن والإستقرار وندرة الجريمة، وحرية التنقل من الناقورة الى النهر الكبير شمالاً، ومن فقش الموج غرباً الى مرمى الثلج شرقاً وشمالاً...

ولأن ذلك كله ممنوع على البلد الصغير... الكبير، كان لا بدّ ممّا حدث على دفعات ليبلغ ذروته في 1975 وليعلنوا اسقاط «المارونية الوطنية» تحت تسمية مزعومة بـ»المارونية السياسية».

وسقطت!

وكان ما كان من تداعيات لا نزال في سلبياتها حتى اليوم... زادها إيغالاً في الضرر الخلاف المسيحي - المسيحي، ويبدو ان تفاهم معراب ثم نداء المطارنة يوم أول من أمس شكلا بداية للتخفيف من هذا الضرر الذي إنعكس على لبنان الحالي. لبنان الذي «كان مع «المارونية السياسية» سيدها فصار يطبل في عرسها» بعد اسقاطها.

لبنان الذي كان في الطليعة... فصار في آخر الصف!

لبنان الذي كان يستقطب الأمة من «محيطها الهادر الى خليجها الثائر»، فصار يستجدي وصول سائح واحد؟

فالمارونية الوطنية (وليست المارونية السياسية) كانت خيراً على لبنان. وكانت برداً وسلاماً على هذا الوطن الذي كان لؤلؤة الشرق فأضحى الأدنى في طحالبه!

وبعد، يطول الكلام في هذه المقارنة... وهل ثمّة ضرورة للتذكير بالآتي: في مطلع التسعينات قال لنا مرجع كبير: «أنتم الموارنة استغرقكم الأمر خمساً وأربعين سنة حتى حرقتو دين لبنان»... فقاطعته: أمّا أنتم فمنذ وضعتم يدكم على لبنان استغرقكم الأمر خمساً واربعين دقيقة حتى أنهيتموه!