منذ أشهر طويلة، تشهد الساحة السوريّة صراعاً حاداً بين القوى الإقليمية الداعمة لفصائل المعارضة المسلحة، بسبب تناقض الرغبات والمصالح والسعي إلى قطف ثمار هذه الحرب في أي مفاوضات سياسية قد تحصل في المستقبل القريب أو البعيد، الأمر الذي ينطبق على الإشتباكات المسلحة التي حصلت، في الأيام الأخيرة، بين كل من حركة "​أحرار الشام​" و"​جند الأقصى​"، مع العلم أن الخلافات بين الجانبين ليست بجديدة.

وبعيداً عن السجال الواسع في النزاعات بين الفريقين، يمكن القول أن المواجهات مؤخّرًا كان من المتوقع أن تحصل في أي لحظة منذ إنطلاق معارك حماة، حيث عمد "الجند" إلى إشعال هذه الجبهة في وقت كانت فيه الحركة تخوض، إلى جانب "​فتح الشام​"، مواجهات في ريف حلب الجنوبي، قبل أن تقرر، بعد طلب الحكومة التركية، إرسال مقاتلين إلى ريف حلب الشمالي، للمشاركة في عمليّة "درع الفرات"، إلا أن التقدّم الذي كان يحرزه "الجند" دفع بـ"أحرار الشام" إلى الإلتحاق بالمعركة، كي لا تترك له وحده السيطرة في هذه المحافظة في حال نجاحه.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن "جند الأقصى"، الفصيل المصنّف إرهابياً من جانب الولايات المتحدة، تطرح حوله علامات الإستفهام، لا سيما بالنسبة إلى الإرتباط بتنظيم "داعش" الإرهابي، حيث كان الوحيد من بين مكونات "جيش الفتح" الذي رفض الدخول في مواجهات مع "داعش"، لا بل هو فضّل الإنسحاب من هذا "الجيش" على الذهاب إلى مثل هذا الخيار، وهو في الأصل كان جزءاً من جبهة "النصرة"، أي الجناح السوري لتنظيم "القاعدة" قبل الإعلان عن عملية "فك الإرتباط"، والإنفصال حصل مباشرة بعد الخلاف بين ​أبو بكر البغدادي​ و​أبو محمد الجولاني​.

بالعودة إلى معركة حماة الأخيرة، تلفت المصادر نفسها إلى أنها وضعت، من قبل أغلب المراقبين، في إطار السعي السعودي إلى حجز موقع جديد في الميدان السوري، بعد تراجع الوكيل السابق، أي "​جيش الإسلام​"، في الغوطة الشرقية والغربية، بالإضافة إلى حال الجمود التي تسيطر على الجبهة الجنوبية، مع العلم أن تمويله يتم عبر جماعات وشخصيات سلفيّة كويتيّة، في حين أن تركيا كانت تعزز من نفوذها في المناطق الشمالية بعد أن دخلت على خط الحرب بشكل مباشر، مقابل الهزائم التي تعرضت لها الفصائل المدعومة من قبلها في مدينة حلب، نتيجة عدم إهتمامها بها بالإضافة إلى رفض "الجند" المشاركة فيها، لكن تسارع الأحداث دفع حلفاء أنقرة إلى الذهاب نحو حماة، كي لا تقع المحافظة ذات الأهمية الإستراتيجية بيد "الجند" وحدهم، في مؤشر إلى حقيقة الصراع بين الجانبين.

وتتوقف المصادر انطلاقاً من هذه الوقائع عند النزاع الأخير بين "أحرار الشام" و"جند الشام"، حيث تلفت إلى أنّه جرى على خلفية إعتقال الثاني أحد عناصر الحركة وإطلاق النار على أخيه وزوجته، بعد توقيف الأولى خلية تابعة لـ"داعش"، ما دفع بالحركة إلى تجديد إتهامها لـ"الجند" بحماية الخلايا الأمنية التابعة للتنظيم الإرهابي، في حين حذر الأخير من أن تفاقم الأوضاع قد يُجبره على إيقاف معركة حماه ضد الجيش السوري، والتوجه لمواجهة "أحرار الشام". وتضع المصادر هذا النزاع في سياق الصراع بين القوتين الإقليميتين، مع العلم أن الفصيلين يتهمان بعضهما البعض بـ"الإختراق"، الحركة من قبل فصائل تابعة لـ"الجيش السوري الحر"، قضت عليها "النصرة" في وقت سابق، و"الجند" من قبل خلايا تابعة لـ"داعش".

وفي حين كانت شخصيات وفصائل معارضة، تدعو الجانبين إلى التهدئة والذهاب إلى محكمة "شرعية" لحل النزاع، برزت أصوات تطالب بالقضاء على "الجند" بأسرع وقت ممكن قبل أن يشتد عصبه أكثر، بسبب "الغلو" والإقتراب من أفكار "داعش"، لا بل هناك من كان يذكر بأن أغلب عناصره يبايعون التنظيم الإرهابي بالسرّ، ويشير إلى أن "النصرة" نفسها كانت قد طلبت منه سحب مقاتليه من منطقة قصر ابن وردان الأثرية في ريف حماة الشرقي وإغلاق المقرات التي كان قد فتحها، بسبب قربها من المناطق التي يسيطر عليها "داعش" في البادية السورية.

في المحصلة، الصراع بين "أحرار الشام" و"جند الأقصى" يعكس بشكل غير مباشر الخلاف بين القوى الإقليمية الداعمة لفصائل المعارضة السورية، وهو ما يمكن أن يتكرر بين فصيلين في أي وقت، لكن قد يكون له تداعيات خطيرة في حال لم يتم التوصل إلى تفاهم جديد على وقف إطلاق النار.