تكسر "النراجيل" المبتكرة كل تقليد. باتت اشكالها مختلفة الانواع والاحجام، فنا يحاكي الحرب والسلم لم يكن مألوفا من قبل، بعدما كان مجرد فعل "التعويذة" لطرد الهموم حتى قالوا "نفّخ عليها.. تنجلي"، وسط تغافل مقصود عن الاضرار التي تلحقها بصحة الانسان، وقد اصبحت حاضرة في الصالونات والشرفات والمقاهي والمطاعم وحتى الأرصفة، ومن تعلق بها حتى "الادمان"، حملها في سيارته ودخّن معسلها وتنباكها في لحظات الانتظار.
في شارع رياض الصلح الرئيسي في صيدا، وقرب سوق الخضار عند "الاشارة"، يعرض الشاب الصيداوي صالح الباشا، انواعا مختلفة من "النراجيل"، تكاد لا تشبه التقليدي منها. ينتصب "الكلاشينكوف" في واجهة المحل، حتى يظن المرء انه تحفة فنية، وحين يدخل، يتفاجأ بأنه نرجيلة "حربية"، تضاف الى نرجيلة "الصاروخ" والى أخرى "سلمية" مثل "وسام اوسكار" و"برج ايفل" الفرنسي الشهير.
داخل محل الباشا، تكسر "النراجيل" الروتين، تحضر بفنونها الابداعية، من الاشكال والاحجام المختلفة تأسر الانظار التي تتجه اليها حائرة في الاختيار والابتكار، فهنا يتربع "نسر" على عرش رف زجاجي، الى جانب "حصان البحر"، ونرجيلة "الثلج"، على ان الاروع فيها "النرجيلة المصرية" الاصلية ذات النحاس البراق و"النرجيلة الزجاجية" المصنوعة كليا من الزجاج ومنظرها اجمل من العادية، لكنها تحتاج الى حماية وانتباه".
يقول الباشا لـ "النشرة" أنّ النرجيلة لم تعد مجرد وسيلة للترويح عن النفس، وإنما باتت فنا بحد ذاته، بحيث يتسابق الناس الى اقتناء كل جديد وغريب فيه، وقد تطور الامر حتى بات يوجد اليوم "النرجيلة المقلوبة"، ومنها "مايا تيوب" كرستال، رأس "سيلكون" وهو اصفى من الفخار وطعم المعسل فيه اطيب وانقى، و"قزاز بلكسي" ضد الكسر وسواها، قبل ان يشير إلى أنّ "كل شيء اصبح معقولا مع عصر العولمة والانترنت".
أما الأغرب، وفقاً للباشا، فهو أنّه بات هناك نرجيلة "البوكيت" – الجيب"، قبل ان يردف مبتسما: "انها لمدمني النرجيلة حتى في السيارة واي مكان فيه انتظار، وفيها كل شيء، ولانها صغيرة الحجم يمكن وضعها في الجيب"، ويتابع: "لقد باتت "النراجيل" عالمًا بحد ذاته، فيه الكثير من الغرائب والعجائب والحبل على الجرار".
قرقرة وهروب
ورغم مساوئها الصحية وتحذير الاطباء من اضرارها، باتت النرجيلة كالخبز اليومي أو كشقيقتها "السيجارة" حاضرة في حياتنا، تفرض على مجالسنا قرقرتها وجوّها الحالم كسلوى.. للهروب من تعب يوم شاق او تمضية وقت كله ملل، بلا حراك وخاصة للعاطلين عن العمل او الراغبين بـ"الاستراحة" من متابعة احداث امنية او خلافات سياسية باتت تؤرق حياة اللبنانيين في كل حين.
ويؤكد الباشا انه "في السابق كان الاقبال على شراء "النراجيل" من كبار السن، ليتسلّوا بها ليلا بعد انتهاء العمل، ولكن اليوم باتت مطلبا لجيل الشباب الذي أدمن عليها ربما لأنّ الكثير من الشباب باتوا عاطلين عن العمل، وباتت تشرب في الليل والنهار وفي كل الاحيان وخاصة وقت الضجر"، ويقول: "مسيرتي مع النراجيل بدأت بالتعامل مع الوكلاء داخل بيروت، حيث يتم استيراد جميع أنواع النرجيلة كالنحاس الابيض والاحمر وهو الأكثر طلبا، فيتراوح الطلب على النرجيلة من حيث نوعها، أولا مصري، سوري، ثم لبناني، فيما الغريب هو من صنع صيني الذي كسر كل مألوف".
ويردف قائلاً: "هناك النرجيلة العجمي وهي الاقل طلبا نظرا لغلاء سعرها، أما سعر النرجيلة العادية فيتراوح بين ثلاثين الفا واربعة ماية ألف ليرة وهذا يعتمد على نوع النحاس فيها والنقشة ومدى العمل اليدوي فيها، وتحديدا اقصد هنا المصري، أما الفرق بين المعسل والتنباك، فالمعسل مطبوخ مع نكهات الفواكه والمتعارف عليه التفاح وهو الأكثر تداولا أما التنباك فهو غير مطبوخ ويتمتع بنكهة صافية".
اقبال واسباب
ويقول محمد حلاق أنّ "النرجيلة يجب أن تتوفر كل يوم، فهي تريح البال وتغني عن الكثير من الأشياء"، مشيراً إلى أنّه يستهلك أكثر من أربعة رؤوس يوميا، قبل ان يستطرد: "أشرب النرجيلة عندما أكون في حالة ملل وحيرة، فهي كما يقال "تغيير جو" ووحدها هي الحل"، ويضيف: "رأسا نرجيلة بطعم النعناع والعنب كفيلتان بأن ترخيا أعصابي وأنسى كل ما حولي".
ويحذر اطباء القلب والشرايين من شرب "النرجيلة"، لانها تسبب ضررا فعليا على عمل الرئتين والقلب وتؤدي الى ارتفاع بضغط الدم والنبض وانخفاض نسبة الأوكسجين بالدم"، ويوضحون "أن تدخين رأس نرجيلة واحد فيه كمية مساوية من النيكوتين لعشرة سجائر وهذا أمر خطير"، ليخلصوا الى ان "النرجيلة سم قاتل، فإذا لم تقتلك الآن ستقتلك لاحقا"، وورغم ذلك تزدهر وينتشر دخانها الابيض راسما صورة غير واضحة عن لبنان...