أوضح مستشار رئيس "تيار المستقبل" ​داوود الصايغ​ أن "​رئاسة الجمهورية​ في لبنان تتنفس الحالة الشرقية وفي الشرق تتركز السلطة بصورة رئيسة بالملك أو الرئيس وفي كل أنظمة الشرق السلطة مركزية وحتى في بعض الأنظمة الغربية ما خلا أنظمة في سويسرا والمانيا وفي بعض الأنظمة الملكية على غرار المملكة المتحدة أو بلجيكا، السويد وفي الدانمارك وإسبانيا وإن بدرجة أقل نسبياً"، مشيراً إلى أن "ما أقصده هو الرمز، رمز رئاسة الجمهورية الذي كان منذ بداية الحياة الدستورية في لبنان وكانت الحياة العامة تتركز حول الرئيس وفق فلسفة مشرعي العام 1926، حيث كان الرئيس بمثابة وريث المفوض السامي والمتصرف والآمر في لبنان، السلطات تركزت حينها بيد الرئيس الوريث في بلد شرع في حياة دستورية جديدة ولم يتضح فيه دور القوى السياسية كغاية واقصد كان لبنان بلداً ناشئاً دستورياً ولهذا استوحى المشرعون الدستور المصري للعام 1923، ولهذا جاءت فكرة ميشال شيحا حول الدولة في تأديتها فروض الاجلال لله وعلى حرية الاعتقاد المطلقة كما ورد في الفقرة التاسعة من الدستور. وبالواقع هذا الدستور مستوحى من الدستور البلجيكي العام 1831.والمقصود هو الصلاحيات الكبرى التي أعطيت لرئيس الجمهورية وولايته 6 سنوات والذي أنيطت به السلطة الاجرائية، فرئيس الجمهورية هو الذي يقترح القوانين، يحلّ مجلس النواب، يعين الوزراء ويقيلهم ويختار من بينهم رئيساً ومعظم السلطات كانت مركزة في رئاسة الجمهورية وتاريخ لبنان الحديث كان يجري وفق ولايات رؤساء الجمهورية واستمر هذا الوضع طوال العقود الاستقلالية الى حين بدأ العمل بالدستور الجديد المنبثق عن اتفاق الطائف".

وفي حديث صحفي، لفت الصايغ إلى أن "تطبيق اتفاق الطائف جرى بالاشتراك مع سوريا، الفترة الأولى من عهد الرئيس الياس الهراوي مارسها بصلاحيات قديمة والجزء الثاني بعد عام 1991 بصلاحيات حددها الطائف والوصاية السورية لعبت على موضوع التوازنات بين الرئيس الهراوي والحريري، علماً ان التوازنات في لبنان هي توازن مجموعات وليست توازنات شخصية"، موضحاً أنه "لهذا الطائف لم يطبّق ولم يتسنّ للبنان قبل العام 2005 ممارسة التعديلات الجديدة للطائف نصاً وروحاً ولسنوات طويلة مارست سوريا سياسات تستهدف ابقاءها مرجعية الخلافات اللبنانية، ومرجعية لحل الخلافات والنزاعات وليس للتوفيق بين اللبنانيين. والتوفيق ما كان أمراً صعباً، ولكن ارادة السوري كانت أن تبقى الخلافات قائمة في صيغة لبنانية وهي صيغة حقيقية توافقية لا مثيل لها في العالم وهناك اسبقية في دول مثل ايرلندا الشمالية حيث تقاتل الناس كثيراً وهم يؤمنون بنفس الإنجيل ولسنوات طويلة وكذلك الأمر في المانيا في كاتالونيا، وفي بلجيكا وكندا وفي بلدان أخرى".

وأشار إلى أن "الوضع اللبناني مختلف عن المحيط، لأنه ببساطة ليس في لبنان اكثرية بامكانها ان تدعي ان بمقدورها ان تحكم بمفردها، وليس هناك من طائفة تدعي انها اكثرية بالنسبة للمجموعة. وفي هذا الواقع وعلى هذا الواقع تقوم توازنات السلطة في لبنان"، معتبراً أن "النظام اللبناني هو مزيج من دستور ومن ميثاق ولذلك اتخذت المادة 65 من الدستور بعداً ميثاقياً تؤخذ القرارات في مجلس الوزراء بالتوافق والا بالتصويت، ففي ذلك ان التوافق شرط أساسي من شروط الحياة العامة ومن حسن سير نظام الحكم اللبناني"، لافتاً إلى ان "لبنان يعيش اليوم حالة خروج عن الدستور، نحن في حالة خروج عن الدستور، لبنان صاحب تجربة ديموقراطية بدون انقطاع منذ العام 1926".

وأضاف الصايغ "أنا لم أتفاجأ بتحرّك رئيس تيار "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ مجدداً، وقدمت استطراداً تاريخياً مقتصراً لأفكار تاريخية ودستورية حول الرئاسة وأهميتها والموضوع شديد التماسك فكرياً ومنذ نحو السنتين أو أقل اجتمع الحريري مع مطران بيروت للموارنة ​بولس مطر​ وقال له الرئيس الحريري "فليأت رئيس جمهورية يعذبنا 6 سنوات ولا شغور شهرين في الرئاسة الأولى"، مشيراً إلى "إنني وكثيرين يعرفون هذه الاستمرارية في تفكير آل الحريري، لذلك لم أفاجأ بإقدامه على ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ ومثلها محاولته الحالية مع رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون وفي جولاته الخارجية والداخلية وقد اجتمع مع الرئيس الفرنسي ​فرنسوا هولاند​ مرتين في فرنسا ومرة في بيروت واجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغاية نفسها محاولاً فتح هذا الباب الموصد، والا لماذا الذهاب بالداخل الى الأقصى والذهاب الى الاميركي والروسي والفرنسي والتركي والذهاب الى الروسي لكي يتكلم الروسي مع الإيراني لأنه اذا انتظرنا انتهاء الحرب السورية واذا انتظرنا مصالحة ​ايران​ية ـــــ سعودية قد يطول الأمر وتصبح الأمور أكثر تعقيداً"، معتبراً أن "الحريري يحاول ان يفتح الباب، ويحرّك الحياة السياسية ونجح في تحريكها في لبنان من الأقصى الى الأقصى، واجترح حضوراً على الارض السياسية بعد حالة من الركود العام، لأن عدم انتخاب رئيس للجمهورية هو حالة خروج عن الدستور".

واكد أن "الحريري ثبت أنه يمثل هذه القيادة الموحدة، وهو صاحب مصداقية في ما يقوله وما يفعله، وهو سياسي ممتاز وجاء الى السياسة بفعل القدر وليس بقراره، ومع ذلك ومع إعلام يحاول محاصرته وتحميله مسؤولية الجمود، رأينا كيف ان الجمود السياسي في مكان آخر، وعلى الرغم من الصعوبات التي يعيشها البلد، ومحاولات التهويل، حرّك الحريري الحياة الراكدة واثبت مرة أخرى أنه دينامو الحركة السياسية في البلد، وهو يعلم ان السياسية لا ترحم وتعذب بعض الأحيان".