في الوقت الذي يقوم الجيش العراقي بتطهير منطقة الأنبار من "داعش" وصولاً إلى الحدود السورية - العراقية من بوابة القائم، خصوصاً بعد سيطرته على جزيرة هيت، التي تقطع خط الإمداد بين الموصل والأنبار، اتخذت الحكومة العراقية قرارها بتحرير الموصل من "داعش"، وبدأت معه العراقيل بعد تدخُّل تركيا وإعلانها أنها تريد أن تشارك في هذه المعركة، وبفعالية، وفي الوقت نفسه ترفض مشاركة الحشد الشعبي فيها، لأن مشاركته في معركة الموصل ستؤدي إلى تغيير ديمغرافي فيها، بحسب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قال خلال حوار متلفز إنه "حريص على عدم السماح بأية سيطرة طائفية على الموصل".

استنفرت الحكومة العراقية على خلفية تدخُّل تركيا بشؤون العراق الداخلية، وطالبتها بالانسحاب من منطقة البعشيقة، لكن تركيا برّرت هذا التدخُّل، واعتبرت أن وجودها في العراق قانوني منذ العام 1992، بعد سماح الحكومة العراقية لها آنذاك بالتوغُّل داخل أراضيها لمحاربة مسلحي حزب العمال الكردستاني، الذين كانوا يتخذون من الجبال الحدودية منطلقاً لمهاجمة القوات التركية، وإن تواجدها في منطقة العمادية القريبة من الحدود مع تركيا كان بناءً لاتفاق مع صدام حسين في العام 2000، وإن تواجد قواتها في منطقة البعشيقة جاء بناءً لدعوة رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني. وتقوم هذه القوات التي وصل عددها إلى 2000 جندي تركي مع كامل اعتدتها العسكرية حالياً بتدريب المجموعات السنية تحت عنوان الحشد الوطني، وبالتنسيق مع اسيل النجيفي، الذي كان له الدور الأساس في تسليم الموصل لتنظيم "داعش"، وتعتبر نفسها معنية بقتال "داعش".

لكن يبقى الكلام الرسمي لرئيس الحكومة حيدر العبادي بأنه أثناء اللقاءات بين رئيسي الوزراء التركي والعراقي في العام 2014 اقتصر الحديث على تدريب بعض الشرطة داخل تركيا، وليس دخول القوات التركية، حسب البروتوكول الموقع بين البلدين في العام 2009، وإن التدريب لا يستدعي دخول قوات برية ومدافع ودبابات من دون موافقة الحكومة العراقية.

تطور الخلاف بينهما، ودعت الحكومة العراقية مجلس الأمن للانعقاد لطرح مشكلة التدخُّل العسكري التركي، وتمادت تركيا في خرقها لسيادة العراق، فقام البرلمان التركي بالتمديد للقوات التركية سنة أخرى في سوريا والعراق، وتعرّض أردوغان للعبادي بشكل شخصي قائلاً: "أنت لستَ نظيري، ولست على مستواي.. اعرف حجمك أولاً".

من جهته، الحشد الشعبي الذي ينتظر أوامر العبّادي لبدء المعركة، توعّد تركيا بردّ مزلزل في الميدان، وأكد أحد قادته أن مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل يهدم مشروع تقسيم العراق، وأن عدم مشاركته معناه احتلال تركيا للعراق.

أما الموقف الأميركي فجاء عبر المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، الذي قال إن "القوات التركية المنتشرة في العراق ليست جزءاً من التحالف الدولي، وما يجري في بعشيقة يجب أن تحلّه الحكومتان العراقية والتركية".. فهل تريد أميركا لهذه الأزمة بين الدولتين أن تبقى على حالها؟ وهل تركيا جادة في أطماعها باستعادة الموصل إلى تركيا، الذي ضُمّ إلى دولة العراق التي لم تكن على الخارطة قبل العام 1923، أم أنها ستكتفي بحصة وازنة في أية تسوية جديدة؟ وهل تكون هذه الأمور مجتمعة مانعاً من بدء المعركة في الموصل في القريب العاجل؟

الرئيس الأميركي باراك أوباما سعى حثيثاً لبدء المعركة في الموصل لضرب "داعش"، وذلك كي يستفيد منها في انتخابات الرئاسة الأميركية لمصلحة الحزب الديمقراطي، وفي الوقت نفسه لفتح المجال أمام انتقال "داعش" من العراق إلى سوريا، لتعزيز وجوده في دير الزور والرقة، التي انتقلت قيادات "داعش" إليها قبل بدء المعركة، وذلك من أجل إحداث توازنات جديدة في سوريا بعد هزيمة المعارضات المسلحة وأميركا في حلب، ونقض اتفاقية الهدنة التي أرادت منها روسيا أن تكون مدخلاً للتسوية في سوريا.