يوماً بعد يوم يتعقّد المشهد الممتدّ بين الساحتين السورية و​العراق​ية، وتختلط الأوراق، وتتباين مصالح الدول على جبهتي المحاور المتقاتلة، بدون أن تتعثر أو أن يكون هناك خلط كبير في مشهد التحالفات. ويبدو التحالف الذي بنته الولايات المتحدة الأميركية أكثر إرباكاً من تحالف ​موسكو​ - طهران - دمشق - حزب الله، لكن الأخير لا شكّ يعاني من تبايُن مصالح بين أطرافه، قد يكون حلّها مؤجَّل، فماذا لدى الطرفين؟

1- حلف واشنطن:

صحيح أن الاستراتيجية الأميركية اليوم، وبعد حوالى سنوات ستّ على بدء النزاع في سوريا، تهدف إلى تحقيق "التوازن السلبي" بين جميع الأطراف، ودفعها لمقاتلة بعضها البعض بدون أفق إلى أن يُستنزف الجميع، فتربح واشنطن بدون تدخُّل عسكري برّي مباشر على الأرض، لكن استراتيجية الاستنزاف هذه لم تكن أساس الاستراتيجية الأميركية منذ بدء النزاع في سوريا، بل كانت الاستراتيجية الأميركية بالتأكيد تهدف إلى ربح سريع نسبياً، والإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وتنصيب بعض المعارضين الموالين لواشنطن مكانه.

عانت الاستراتيجية الأميركية منذ بدء النزاع ولغاية اليوم، من إخفاقات بنيوية لم يكن بالإمكان تخطّيها، منها تباين مصالح حلفائها، واضطرار الأميركيين للتفريط بأحدهم عند الضرورة، وعدم وجود(وعدم القدرة على صنع) جيش برّي يقاتل للأهداف الأميركية حصراً، وأخيراً التدخُّل العسكري الروسي المباشر الذي قلب موازين القوى، في وقت كانت واشنطن وحلفاؤها قد بدأوا يحققون الانتصارات، خصوصاً عند تأسيس "جيش الفتح"، الذي قام بهجوم ساحق واستطاع احتلال مناطق هامة في الشمال السوري.

وبغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات الأميركية المقبلة، فإن الرئيس الأميركي المقبل ومهما كانت استراتيجيته المعتمَدة، وسواء كانت أولويته إسقاط الأسد (هيلاري كلينتون) أو محاربة "داعش" (دونالد ترامب)، فسوف يصطدم بالمعوقات البنيوية نفسها، أي الأجندة التركية المستقلة والمتفلتة، وعدم القدرة على تشكيل مجموعات مسلّحة "موثوقة وفعّالة" للقتال، بالاضافة الى الوجود الروسي في سوريا.

2- حلف موسكو:

بالرغم من أن الظاهر يشي بعدم وجود تباينات في هذا الحلف، لكن التدقيق في مصالح أطرافه تشي بالكثير:

بداية، إن ارتكاز هذا التحالف على قوات بريّة مقاتلة من الجيش السوري وحلفائه؛ من حزب الله وبعض الميليشيات العراقية، يجعل من الأسهل عليه تحقيق انتصارات ميدانية، وتخطي العقبة التي تعاني منها واشنطن، وهي "القتال البرّي الفعّال".

لكن مصالح الحلفاء في هذا الحلف تتباين على المدى المتوسط والطويل، وأبرزها ما يلي:

أ‌- إن موسكو التي تطمح إلى أن تمد أنابيب الغاز عبر "السيل التركي" إلى أوروبا، والمتحالفة مع "إسرائيل"، لا يضيرها أن تنفّذ واشنطن استراتيجيتها بقطع التواصل الجغرافي بين إيران وسوريا- لبنان، عبر كونتونات تؤسس لها في الشمال والشمال الشرقي السوري، فذلك ينهي المشروع المنافس الذي يصل الغاز الإيراني إلى السواحل السورية، ويضيّق إمكانية وصول السلاح إلى المقاومة في لبنان.

ب‌- كما الأميركيين، يجد الروس أنفسهم محرَجين بالاستراتيجية التركية التوسعية في سوريا، لكنّ الاثنين يدركان مدى الأهمية الاستراتيجية لتركيا في المنطقة ككل، وفي النزاع السوري بشكل خاص، لذا يصمتان على ما يقوم به أردوغان في سوريا، سواء على حساب سيادة الدولة السورية (حليفة الروس)، أو على حساب الأكراد(حلفاء الأميركيين).

ت‌- تتلاقى مصالح الإيرانيين مع المصالح التركية في محاولة تحجيم الأكراد والقضاء على أحلامهم الانفصالية، بينما يدافع الروس عن حق الأكراد في الاشتراك في المحادثات السورية في جنيف، وكانوا سبّاقين في الاعتراف بالحقوق الكردية، من خلال فتح ممثلية للأكراد في موسكو، علماً أن الروس لم يحاولوا أن يتحدّوا أو ينافسوا الحضور الأميركي العسكري في مناطق سيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية، ولم يعمدوا إلى تجهيز قواعد عسكرية لهم في الحسكة والقامشلي رداً على قيام واشنطن باستخدام مطار "رميلان" شمالي الحسكة، بالإضافة إلى قاعدة عسكرية أخرى قرب عين العرب - كوباني. واللافت أن الروس اكتفوا بالوساطة بين الجيش السوري والأكراد حين حاول الأكراد السيطرة على الحسكة وطرد الدولة السورية منها.

بالنتيجة، تتشابك مصالح الأطراف المتدخلة في النزاع السوري وتتباين بحسب القضية والطرف المعني، لكن الأحلاف لا تتفكك، ولن نشهد أي انتقال من محور إلى آخر، لعدم قدرة أي طرف على تحمُّل تلك التكلفة. لذا، وبانتظار جلاء غبار المعارك الدائرة في كل من العراق وسوريا، ستستفيد تركيا من سباق النفوذ بين الأميركيين والروس، وحاجة كل منهما لها كدولة محورية في المنطقة، بينما تبدو إيران الضامن لعدم التقسيم؛ باستخدام نفوذها في كل من العراق وسوريا لمنعه، بينما لا يبقى مفر أمام السوريين إلا الثقة بكل من الإيرانيين والروس وما يقررونه، فلولاهم لما استطاعت الدولة السورية الصمود والتقدّم بهذا الشكل.