بدأ النائب سامي الجميّل مسيرته السياسية باستقلالية القرار، فقرّر البقاء خارج تفاهم معراب، وفي الأمس أكّد استقلالية قراره متجاوِزاً كلّ الاعتبارات الانتخابية، ومضحّياً بالحصة الموعودة في السلطة، حكومة وتعيينات، وهذا قرار كبير له نتائجه وتداعياته، لكنه من وجهة نظر الكتائب، القرار الصائب، لأنّ «مَن يرضى أن يتحوّل الى ملحق سياسي، لن يتمكن في كلّ مرة من الحفاظ على مكتسبات أُعطيت له كجائزة ترضية».

لم يكن «الكتائب» في وضع مريح حين اتخذ القرار بالتصويت السلبي في مواجهة «الصفقة الرئاسية».

هذه «الصفقة» اعتبرت أنها انتصار لمنطق عودة الحقوق المسيحية، وانتصارٌ على «حزب الله» الذي حُشر بترشيح العماد ميشال عون. لكنّ الوضع غير المريح لم يكن ينقصه الوضوح بالرؤية.

حاول موفدو العماد عون إقناع النائب سامي الجميّل بالتصويت له، قدموا ورقة تفاهم جاهزة على قياس الصيفي، بنسخة لا تشبه نسخة معراب أو مار مخايل، إلّا بأنها ورقة عناوين عامة.

راجع الجميّل نفسه، فوجد أنّ الالتحاق بالصفقة الرئاسية، يعني انتحاراً سياسياً ووطنياً للكتائب، وانتحاراً أخلاقياً أمام مَن انتخبوها، خاصة وان هذه الورقة لا تصلح إلّا ليوم واحد، أو لساعة واحدة، أي ساعة تلاوتها في المؤتمر الصحافي المشترك، ولو قبِل تلاوتها، لتحوّل الى «مشارك في حفلة استعراضية كبيرة، لا هدف منها إلّا المشاركة في تمجيد انتصار هو أشبه بالهزيمة الساحقة».

كانت الامور على جانب من الوضوح بالنسبة الى رئيس الكتائب. فالمشارَكة في انتخاب عون، بالنسبة الى الكتائب، تعني عملياً توقيع صك رئاسي قابل للاستعمال لكلّ الولايات الرئاسية المقبلة. صك رئاسي بات يمتلكه «حزب الله»، المستعدّ لتجييره كحقّ مكتسَب لمَن يختاره الحزب رئيساً.

فالمشارَكة في انتخاب عون وفق هذه الشروط، تعني التسليم المسبق بأنّ «حزب الله» هو مَن سيشكل الحكومة، وما اعطاؤه حق الفيتو على ولادتها للرئيس نبيه برّي، إلّا نموذجاً لإعطائه حق الفيتو الرئاسي للعماد عون، والنتيجة في الحالتين واحدة.

عون أصبح رئيساً بعد سنتين ونصف السنة على الفراغ الذي سببه الحزب، والحريري لن يستطيع تشكيل الحكومة إلّا التي يرضى عنها بري ولو بعد تعطيل قد يدوم طويلاً، وسيتكرّر الوعد كثيراً في كلّ محطة ومفصل.

إمتنع حزب الكتائب عن الدخول في الصفقة الرئاسية التي لن تبدأ فصولها الحقيقية إلّا بعد جلسة 31 المقبل. فـ»حزب الله» وبالاضافة الى تحقيق انتصار المجيء بحليف الى بعبدا، سيدفع خصوم هذا الحليف ثمن وصوله، وهذا ما سيحصل في تشكيل الحكومة، وفي البيان الوزاري، وفي قانون الانتخاب، وكلّ ذلك تحت طائلة عدم تشكيل حكومة.

ويبقى السؤال، هل إنّ القرار الذي اتّخذه الكتائب، سيكون المخاطرة السياسية الحقيقية والأكثر مصيرية في مستقبل الحزب ودوره وموقعه على الصعيدين المسيحي والوطني؟

يبدو بعض خصوم الكتائب في حالة ارتياح لقراره عدم تأييد عون، فهذا القرار سيعني عدم دخوله في الحكومة، وسيعني تكريس سيطرة الثنائية المسيحية على الحصة المسيحية في الحكم والإدارة، فيما ستكون الكتائب على رأس المعارضة وبين صفوفها، وهذه مهمة كبيرة ستعني المواجهة مع أكبر قوتين مسيحيتين، وهما المستعدتان للقول إنّ المكان لا يتّسع إلّا لهما حصراً، أو لمَن يقبل المساحة المتروكة له، في الفراغات التي لا يتنافس فيها هذا التحالف.

خطا الجميّل الخطوة الصعبة، التي تتجاوز الحسابات الانتخابية وحسابات التوزير، وهو المستقيل من حكومة الرئيس تمام سلام. هذه الخطوة سوف تُختبر في المرحلة المقبلة على شكل معارضة تكون الكتائب جزءاً منها، في مواجهة عهد يمكن توقّع خطوط سيره الأساسية قبل أن يبدأ.