شظّت مرحلة ما قبل انتخاب الرئيس العماد ميشال عون كلّاً من فريقي الثامن والرابع عشر من آذار، حتى بات استخدام المصطلحات الآذارية ضرباً من الماضي غير القابل للصرف في «حسبة» الواقع السياسي الحالي.إلّا أنّ «حزب الله» وسريعاً، بعَيد وفائه بعهده بانتخاب عون، بدأ عشيّة التكليف مرحلة جديدة عنوانها الأساس وحدة فريقه السياسي، خصوصاً الثنائي «حزب الله» وحركة «أمل».

وعليه، أوكلَ الى رئيس مجلس النواب نبيه بري مهمة التفاوض بإسم الحزب والحركة معاً، ومن خلفهما تيار «المردة» و»الحزب السوري القومي الاجتماعي» فضلاً عن الحزب «الديموقراطي اللبناني» برئاسة النائب طلال ارسلان وبقية القوى والاحزاب.

وإذا كانت «سلة برّي» غير مرغوب فيها عشيّة الإستحقاق الرئاسي، فلا مفرّ منها اليوم. أمّا عون فيُدرك جيداً، بل وسمع كلاماً مباشراً وقبل خطاب شريكه الأساس في الوصول الى بعبدا السيد حسن نصرالله في الأمس، انّ مفتاح الحكومة تأليفاً ومشاركة هو في يد بري.

ماذا في «سلة بري»؟

تشير مصادر على صِلة بعين التينة إلى أنّ سلة برّي تضمّ مطالب وطنية في الدرجة الاولى، ومن بعدها حصة الحلفاء والاصدقاء وفي مقدمهم مرشّح بري الرئاسي النائب سليمان فرنجية، فالأحزاب الوطنية والقومية وفي مقدمها الحزب السوري القومي الاجتماعي، فضلاً عن حصة الطائفة الشيعية في ظل النظام الطائفي الذي يحكم اللعبة السياسية اللبنانية، تلك الحصة المؤتمَن عليها بري منذ عقود من الزمن بفَضل حيثية حركة «أمل» الضاربة في جذور المكوّن، وبتفويض نصرالله و«حزب الله» الشريك في معمودية النهوض بالطائفة الشيعية ما بعد اتفاق «الطائف».

وعليه في السلة وطنياً، يحضر قانون الإنتخاب الذي يصرّ برّي على عدالته، واعتماد النظام النسبي فيه ولَو مناصفة مع الأكثري، فلا مكان في دفتر شروط برّي للمشاركة في حكومة العهد تحت مظلة قانون الستين الانتخابي السيئ الذكر على حدّ وصف المصادر.

امّا طائفياً وفي ظلال النظام المبني على المثالثة في قلب المناصفة، فإنّ حقيبة وزارة المال غير قابلة للنقاش سواء في أساس وجودها من حصة الثنائي الشيعي او بشخص من يتولّاها، فزمن «الفيتو» على وزراء الشيعة من بقية المكونات قد وَلّى وإلى غير رجعة.

امّا حصة الحلفاء في سلة بري، ففي مقدمها تيار «المردة» ورئيسه فرنجية الذي أبلغ الى من يعنيه الأمر أنه جاهز للدخول بوزير في الحكومة بشرطين: الأول ان تسند حقيبة خدماتية لأحد المنتمين الى تيّاره، والتخَلّي عن حقيبة وزارة الثقافة الخالية من دسم الخدمات على رغم ما استطاع الوزير روني عريجي تحقيقه فيها، وهذا ما يتقاطَع ورغبة الحريري الذي لم يقطع خطوط التواصل مع فرنجية وسط تسريبات عن إمكانية إعطائه وزارة الشؤون الاجتماعية التي فيها تقاطع لبناني - سوري خدماتي بوجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري.

امّا شرط «بنشعي» الثاني فهو أن لا يطول زمن التأليف الى ما قبل الانتخابات بشهرين، فعندها لا جدوى للمشاركة في حكومة عهد عشيّة

استحقاق شعبي.

وتضيف المصادر أنّ بري المفوّض والمؤتمن من «حزب الله» على إدارة ملف التأليف يُصرّ على إسناد حقيبة وزارية من الحصة المسيحية الى الحزب «القومي» الممثّل نيابياً بثنائي مسيحي بقاعاً عبر النائب مروان فارس وجنوباً عبر النائب اسعد حردان الذي يجمعه ببرّي مشوار طويل يمتد من مرحلة النضال في مواجهة العدو الاسرائيلي الى طاولة الحوار في عين التينة وتقاطع الافكار والرؤى خصوصاً في مسألة الإستراتيجية الدفاعية.

امّا ارسلان، فالحكومة الثلاثينية تعني حتماً دخوله إليها سواء مباشرة او عبر شخصية قريبة منه وهي على الأرجح الوزير السابق مروان خير الدين، الذي يجمع خصائص مؤهلة أبرزها خبرته الاقتصادية وباعه الطويل في عالم التنمية والاموال. لكنّ مصادر على صِلة برئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط تهمس عن توزير ارسلان شخصياً وبحقيبة وزارية، فيما اذا دخل خير الدين الحكومة فمن باب وزارة الدولة وبلا حقيبة.

ويبقى في سلة برّي حصة الشخصيات والقوى السنية التي ستخضع للتفاوض مع الحريري الذي قد يوزّر شيعياً في مقابل توزير الثنائي الشيعي شخصية سنية. وعليه، سيرسم بروفايل الوزير السني من حصة 8 آذار، من سيختاره الحريري وزيراً شيعياً.

الّا انّ الحصة السنية لا تزال في أسفل سلم الأولويات التي تبدأ بضمان كامل الحصة الشيعية للثنائي «أمل» و»حزب الله» وضمنها وزارة المال، ثم توزير «المردة» بحقيبة وازنة خدماتياً، وصولاً الى «القومي» و»الديموقراطي اللبناني».

وعليه، فإنّ قطار الاستشارات لتشكيل الحكومة انطلق، ولا مفرَّ له من التوقّف في عين التينة آخذاً في الاعتبار «سلة بري».