كان الله في عون الحريري”... تلك العبارة التي يتفوّه بها أبناء بيت الوسط تجمع من حيث لا يدرون اسمَي رجلَي المرحلة لا بل العهد الجديد الذي دون إعلان انطلاقته “الصاروخية” عراقيل جمّة منها المُعلن ومنها غير المُعلن وآخرها لا بل أوّلها: الرسوّ على صيغةٍ حكومية مرضية للجميع من حيث توزيع الحقائب حصّة ونوعًا.

ارتفاعُ منسوب التفاؤل في تيسُّر التأليف لا يعني حكمًا تأطيرَه زمنيًا بما يشي بأن الرئيس سعد الحريري يقف على عتبة السراي، ومع ذلك بدأت صيغة التوزيع العامة تتّضح لتمنح صورةً عامّة عن حصص الكتل ولترسّخ واقع “سقوط المداورة” مرةً جديدة في فخّين: فخّ هواجس “السياديّة” التي “يتناتشها” الجميع بحثًا عن “الانتشاء” بالتسمية “المُنزلة” من دون أن يفهم أحدٌ سبب منحها هذا “الشرف السيادي”. وفخُّ البحث عن الاستمراريّة في الحقائب الخدماتية خشية أن يأتي وزيرٌ ليخرّب ما فعله سلفه أو في أحسن الأحوال ليقطف ثمار ما أرساه سلفه من إنجازاتٍ جعلته محبوب الناس.

من يتنازل؟

يغرق الرئيس سعد الحريري في طفرةٍ من الأسماء الجديدة والقديمة. يغرق في بحث الجميع عن حقائب “وازنة”. يُحرجِه الرئيس نبيه بري من جهةٍ ويرمقه أبناء تياره رمقة الحريص كمن يقول للآخر: كفانا تنازلات. علم الحريري منذ لحظة ارتقائه بحكومةٍ وفاق وطني أن “وجعة رأس” كبيرة ستكون له في المرصاد خصوصًا في مرحلة توزيع الحقائب. كلّ السيناريوهات المسرّبة اليوم من الاستشارات النيابية التي أحيطت بكثيرٍ من الكتمان تشي بأنّ كتلًا عدة تتمسّك بما بدأته في حكومة تصريف الأعمال، وإذا كان تمسُّك هؤلاء لا يعدو الإطار التحليلي التخميني، فأقله ما يُقال في العلن يشي بوضوح بأن الرئيس نبيه بري لن يتخلى عن وزارة المال التي تمنحه التوقيع الثالث بعد الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، كما ولن يفرّط في حقيبة خدماتية كالأشغال. في الموازاة، لن يقبل التيار الوطني الحرّ بأن يكون ضحيّة “بيعه” موقف الإتيان بعون رئيسًا، فهو الآخر على ما يتسرّب من كواليس الرابية يحرص على إبقاء وزاراتٍ وازنة في عهدته ولو أنّ “الخارجية والمغتربين“ قد تطير منه رغم محاربته من أجل إقرار قانون استعادة الجنسية، كما ولن يكون في موقع المهادن الطري في ما يتعلق بوزارة النفط لا سيّما متى ضُمَّ اليها الملف النفطي ولم تُستحدَث وزارة مستقلة. أما على الضفة المستقبلية، فتبدو وزارة الداخلية هي الهدف مع عين مرمية في اتجاه وزارة التربية التي سيصعب سلخُها من الوزير الياس بو صعب نظرًا الى شعبيته في أوساط الطلاب والأساتذة، على أن يُرضى المردة بحقيبة خدماتية تسمح لبكّ بنشعي بأن يوسّع حلقة شعبيّته على امتداد الوطن في وزارة تخدم مخططه وليس أفضل من “الصحة” أو “التربية “ في هذا المجال.

مكافأة كبرى...

ليس النائب وليد جنبلاط المغرّد بهدوءٍ وحكمة هذه الأيام حجر عثرة، فهو الباحث عن حيثيّة لرفع ابنه تيمور وإغراقه أكثر فأكثر في اللعبة السياسية من بوابة الحكومة، قد يخسر حقيبة الصحّة التي أمسك بها وزيره الشاب وائل أبو فاعور من دون أن يعني ذلك ارتضاءه بـ”الفضلات”. وإذا كانت بعض الأصوات المشتّتة ترتفع هي الأخرى مطالبةً بإنصافها بحقيبة، فإن القواتيين ليسوا في عداد هؤلاء وهم العائدون الى السلطة بعد طول انقطاع وغير المرتضين إلا بجزاءٍ مقابل يفوق “جائزة الترضية” ليلامس “المكافأة” الكبرى على ما قدموه للعماد عون بعدما وضعوا اللُبنة الأولى في بيته الرئاسي، وعليه قد يكون الرئيس عون هو المُحرَج الأول في هذا الإطار وقد يكون التنازل الثاني من قبله هذه المرة مقابل ما سيقدّمه الحريري لبري لا سيما مع فقدان معراب الأمل من «المال». يتساوى الرئيسان في هذه الحالة، وتبقى الأنظار متّجهة الى حصّة الرئيس التي لن يتركها بري على ما يبدو “بسلام”، خصوصًا بعدما بدأت أصداء سلبية تصل الى القصر ومفادُها أن حصّتَي الرئيس والتيار هما حصّة واحدة. حكمًا هي ذريعة ساقطة في حسابات عون والعاملين معه رئاسيًا بناءً على حقيقة أنه رئيسٌ لجميع اللبنانيين وليس لأبناء التيار البرتقالي فحسب، وعليه يبقى تمسُّك الرئيس بحصته الثلاثية هو المغزى مع ضبابيّة كبرى تحيط بدور العميد شامل روكز برلمانيًا وحكوميًا، فيما علمت “البلد” أن “اسم جهاد سلامة المخضرم في عالم الرياضة المحلية يُطرَح جديًا لحقيبة الشباب والرياضة من حصة الرئيس، خصوصًا أن مديرًا عامًا محسوبًا على بري سُئل من عين التينة ما إذا كان قادرًا على التأقلم مع سلامة في موقع الوزير فكان جوابُه بالإيجاب”.

كي لا تنتصر المماحكات...

في غمرة الفوضى الحقيبية، يؤكد عضو كتلة “المستقبل” النائب محمد الحجار (المطروح اسمُه إعلاميًا لإحدى الحقائب) لـ”البلد” أن “ما يُحكى في الإعلام عن توزيع الحقائب تخمينات وإن كان جزءٌ منه صحيحًا بناءً على تصريحاتٍ علنية، وبالتالي لا يمكن أن نتحدّث عن مداورة قائمة متى كانت وزارة واحدة باقية في عهدة الكتلة نفسها. وربما في اليومين المقبلين قد يتمّ إقناع المتمسكين بالكتل نفسها بأهمية المداورة، ولكن الوصول الى النتيجة التي يشتهيها الرئيس الحريري صعب”. ويردف الحجار: “على كلّ طرفٍ أن يخرج من مصالحه الضيّقة وأن يقتدي بالرئيس سعد الحريري الذي ضحّى بكل شيء من أجل المصلحة الوطنية، والذي انعكس ارتياحًا عامًا في البلد لا بدّ من أن يتعزز بتيسير مهمة الرئيس الحريري بعيدًا من المماحكات والغرق في الحصص”.

حتى العدد مفقود!

هي لعبةُ الحقائب تنتصر في كلّ مرحلة تأليف يقسو الدستور على بطلها الرئيس المكلّف بعدم تحديده إطارًا زمنيًا للعملية برمّتها. لعبةٌ يزيدها تعقيدًا سقوط المداورة، ويعزز تعقيدها فتورٌ من هنا وآخر من هناك وليس آخرها التصعيد الكلامي بين الرئيس نبيه بري والدكتور سمير جعجع والذي قد لا يكون الأخير في رحلة البحث عن تشكيلةٍ ما زال عددُ وزرائها ضائعًا فما البال بآلية توزيع حقائبها.