تقف الأمة العربية والإسلامية أمام منعطف تاريخي وهي على عتبة المئة عام من وعد بلفور المشؤوم، الذي خطّه الملك عبد العزيز آل سعود بيده: "بناء لإرادة بريطانيا لا مانع لدينا من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود"، ومئوية اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، التي ما زالت تؤكد أنها سبب العديد من الأزمات في المنطقة، وهذا ما نراه في العراق وسورية واليمن وليبيا والبحرين وفلسطين، والزعماء العرب لا يقومون بالدور المطلوب منهم من أجل إنقاذ المنطقة من سايس بيكو جديد وشرق أوسط جديد، ليكونوا قادة لشعوبهم وأوفياء لامتهم، فقد ارتضوا الذلة لأنفسهم وأن يكونوا أدوات أساسية في تنفيذ المشروع الأميركي - "الإسرائيلي"، وباعوا شعوبهم وبلدانهم بثمن بخس مقابل بقائهم على عروشهم، كما باعوا فلسطين.

ماذا قدّم القادة العرب للقضية الفلسطينية منذ مئة عام ولغاية اليوم إلا التآمر عليها وبيعها بأبخس الأثمان لمصلحة "إسرائيل"؟ ماذا فعلت السلطة الفلسطينية وهي التي تقمع الانتفاضات المسلَّحة، وتنسّق أمنياً مع العدو الصهيوني لضبط الساحة الداخلية؟ لماذا لا يتمّ تقوية المقاومة العسكرية طريقاً لتحرير فلسطين وإقامة الدولة، بدل المفاوضات المذلّة مع "إسرائيل" برعاية دولية؟ ورئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو يقول إن ما يبعث الأمل في نفسه أن "العديد من الدول العربية لم تعد ترى في إسرائيل عدواً لها، بل حليفاً" في مواجهة ما وصفه بـ"الإرهاب الإسلامي"، وإن "المنطقة قد اختلفت، حيث لم يعد السلام مع الفلسطينيين شرطاً للسلام مع العرب، بل صار السلام مع العرب سبيلاً للسلام مع الفلسطينيين".

الساحة الفلسطينية باتت ممزَّقة، وملّ شعبها من الاختلاف بين القيادات خارج السياق الطبيعي، ويئس من الصراعات الهامشية التي تغيّب الخطر "الإسرائيلي" وتضيع فلسطين، كما يئس من القادة العرب.

"إسرائيل" التي تستفيد من الخلافات بين الفصائل وأزمات المنطقة، وتعتقل شباب الانتفاضة وتصادر الأراضي، يتفاخر رئيس وزرائها بالقول إن حكومته هي من أكثر الحكومات التي قامت ببناء المستوطنات.

ألم يحن الوقت لإسقاط النزاعات، والاتفاق على برنامج عمل المقاومة لتحرير فلسطين؟

إننا نشهد تراجعاً غير مسبوق النظير الدفاع عن فلسطين منذ اتفاق مكة في العام 2007 بين حركتي "حماس" و"فتح"، مروراً باتفاق القاهرة في العام 2009، ثم وثيقة الوفاق الوطني في القاهرة في عام 2011، ومؤخراً اللقاء الذي تم في الدوحة برعاية أمير قطر في آخر شهر تشرين الأول، وكان الكلام الرسمي حول نتائجه إيجابي لناحية الانتخابات التشريعية الرئاسية والمجلس الوطني الفلسطينيين، جرياً على العادة كما في اللقاءات السابقة، إلا أن المفارقة في هذا اللقاء حماسة الرئيس عباس له على غير عادته، والتركيز على العلاقة بين محمد دحلان و"حماس"، والطلب منها عدم مساعدته في القطاع.

غضب عباس من الرباعية العربية (السعودية ومصر والأردن والإمارات) لأنها حاولت الضغط عليه لمصالحة دحلان، وتحديداً مصر، الأكثر اهتماماً بموضوع المصالحة، لكن المهم هو المصالحة مع القوى الفاعلة على الساحة الفلسطينية لمصلحة دعم المقاومة وعدم التغطية على من يقاتل الدولة السورية التي احتضنت المقاومة الفلسطينية وحمتها، وفتحت لها المراكز المعلَنة، ومخيمات التدريب، وساوت بين الشعبين السوري والفلسطيني في الحقوق المدنية كافة، ما عدا انتخابات الرئاسة والبرلمان والمشاركة في الحكومات، وهي التي تدفع اليوم الثمن غالياً بسبب الربيع الكاذب في سورية وإدخالها في هذه الحرب القذرة، لأنها رفضت إملاءات كولن باول العشرة، ومنها إقفال مكاتب الفصائل الفلسطينية في سورية.

ألم يحن الوقت للانتهاء من هذه الخلافات، التي تعيق العمل العسكري لفصائل المقاومة التي أعطت وشعبها الأنموذج في قتال "إسرائيل"، وانتصارها عليها في حروب غزة في الأعوام 2008 و2012 و2014؟ متى يحين وقت إسقاط رهان "إسرائيل" على خلافات الفصائل الفلسطينية؟